سيکولوجية التـــــــــــــــصوف عند أبي الوفا الغنيمي التفتازاني

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الفلسفة - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

أکد هذا البحث على عناية أستاذنا الکبير الدکتور التفتازانى بأهمية التحليل النفسى للمتصوف ، وبأن التصوف الإسلامى غنى بالدراسات النفسية والأخلاقية والروحية ، وأن الطابع النفسى لا يقل شأناً عن الطابع الأخلاقى ، وما تعرض له صوفية الإسلام من تحليل للنفس الإنسانية ، وبيان الأحوال التى تعرضوا لها ، وترتيب المقامات التى تختلف عليهم ، تمثل الغاية القصوى على أنها فناء العبد عن نفسه وبقائه بربه ونحو ذلک مما يدل على أن التصوف الإسلامى لم يکن علماً للأخلاق الدينية فحسب ، وإنما کان کذلک علماً للنفس الإنسانية وللمنازع الميتافزيقية التى تنتزع إليها هذه النفس .
ثم إن سعادة الصوفى لا تتحقق إلا بالقرب من الحبيب ، والبعد يفتت حياة القلوب، ولکنه لا ييأس ولا يمل وهذا من أهم خصائص التجربة الصوفية ، إنها وإن کانت إماتة لرغبات النفس ، إلا أنها إحياء وتدعيم للروح والقلب، ونهوض بالهمة، وهو ما يطلق عليه "اغتراب الهمة بترک الخُلُقِ الذميم"، فمن عرف الحق سبحانه، بأسمائه وصفاته، ثم صدق الله تعالى فى معاملاته، ثم تنقى من أخلاقه الرديئة، وآفاته، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتکافه، فحظى الله تعالى بجميل إقباله، وصدق الله فى جميع أحواله، وانقطع عن هواجس نفسه، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره، فإذا صار من الخلق أجنبيًّا، ومن آفات نفسه بريًّا ومن المساکنات والملاحظات نقيًّا... ودامت فى السر مع الله مناجاته وحق کل لحظة إليه رجوعه، وصار محدثاً من قبل الحق سبحانه... يسمى عند ذلک عارفاً وتسمى حالته معرفة، وفى الجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه عز وجل .
الصوفى إذن فى حالة فنائه فى محبوبه واغترابه الکامل عن نفسه وعن العالم  ، يکون فى سعادة قصوى، ونشوة روحية غامرة ، حيث يرى السالک قوام الأشياء بالله ويرى کل شئ من الله، ويرجع فى کل شيء إلى الله .
وبهذا حاول التفتازانى أن يرسم لنا صورة عامة واضحة المعالم للطريق الذى يسلکه الصوفى بوجه عام ، وأن يصنف هذه الحالات الوجدانية التى ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً ، بحيث يخضع التصوف لقانون سيکولوجى عام يمکن أن يوحد المتصوفة على اختلافهم . حيث أصبحت التجربة الصوفية ظاهرة فريدة جذبت إليها اهتمام الباحثين قديماً وحديثاً مما يستدعى الوقوف عندها وتحليلها وتقويمها ، وبذلک نستطيع أن نحکم عليها بأنها فلسفة حياة ، أو تجربة معايشة ، عاشها المتصوفة بکل کياناتهم وذواتهم، أنتجت نوراً صادقاً ينبع من قلب مشرق ، ونفس طاهرة وصافية بلغت درجة الروحانية، حتى انطبعت على صفحتها علوم المعرفة الربانية.