القص وبلاغته في الشعر العربي القديم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية- کلية البنات- جامعة عين شمس

المستخلص

إن القصيدة العربية القديمة لاتخضع لقواعد ومنطق القص المتعارف عليه؛ بل لها منطقها الخاص؛ الذي تنطلق منه وهو الشعرية التي تتضمن البحث عن الکلمة الموحية والصورة البديعة والإيقاع المناسب للغرض الشعري الذي يوظفه الشاعر.فهى ذات بناء خاص، وليس القص الذي يتخللها– عرضا أو قصدا - سوى لبنة من لبنات القصيدة ومکون أساسي من مکونات بنيتها، وجميع العناصر والتقنيات التي اندرجت تحت الإطار القصصي أصبحت ذات غايات أو وظائف شعرية ساعدت في بناء القصيدة وتشکيلها الجمالي  . حيث تبنت وجهة نظر بعض النقاد التفرقة بين الغنائي والدرامي والملحمي على أساس الصوت المهيمن على العمل، فالغنائي من الأعمال ما کان صوت المؤلف فيه هو المهيمن على العمل کله،أما إذا اختفى صوت المؤلف وانفردت الشخصيات وحدها بالحديث في العمل فهو الدرامي،بينما الملحمي هو ما امتزج فيه صوت المؤلف مع صوت الشخصيات وتشابکت الآراء واختلفت الرؤى في العمل.ومن ثمّ يمکن القول"إن الحکى کائن في الخلفية العميقة لکل قصيدة غنائية... مما يدل على أن غنائية الشعر لا تعفيه في العمق من کونه يحکي عن الأحوال التي مرت بها الذات، وأنه من خلال هذه الأحوال يؤسس سردية کلية تشمل مجموع النص.
کما  درج النقاد على تصنيف القصة في أبواب النثر وفنونه المختلفة، مع أن البدايات الفنية لها - الضاربة في القدم- تردها إلى أصولها الشعرية، فالملاحم الشعرية تعد أساساً لفن القصة؛ سواء تناولت أخبار الشعوب وبطولاتها، أو عرضت لأساطير هذه الشعوب ومعتقداتها الدينية وآلهتها المتعددة. وقد نُقِلت أخبار العرب وبطولاتهم بطريقة تجمع بين الشعر والنثر في زمن متأخر- بعد حرکة التدوين- على غرار ما نجد في أيام العرب ووقائعهم المشهورة، وقصصهم المتداولة، وکذلک أمثالهم التي نقلت على صورة أقوال موجزة، تشير في کثير من الأحيان إلى قصص واقعية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إن التناول النقدي لأي نص شعري عربي قديم، مع کل ما يطرحه من سمة حکائية أو قصصية، لا يقوم على تقصى أو متابعة ما يقص فيه، وإنما هي تأملات في حياة کاملة للمناخ الذي أحاط بالنص على نحو استنباطي تخيلي، فکل قراءة أو معالجة نقدية لأي نص هي إعادة اکتشاف لما يحويه النص من رؤى لفهمه، وذلک من خلال مناقشة بين ما يطرحه النص، وما يقدمه المتناول من رؤية ثقافية لهذا النص، بأدوات إجرائية نقدية؛ لفهم العلاقات النصية المترابطة من حبکة وأحداث وشخوص.
وقد درج النقاد على تصنيف القصة في أبواب النثر وفنونه المختلفة، مع أن البدايات الفنية لها - الضاربة في القدم- تردها إلى أصولها الشعرية، فالملاحم الشعرية تعد أساساً لفن القصة؛ سواء تناولت أخبار الشعوب وبطولاتها، أو عرضت لأساطير هذه الشعوب ومعتقداتها الدينية وآلهتها المتعددة. وقد نُقِلت أخبار العرب وبطولاتهم بطريقة تجمع بين الشعر والنثر في زمن متأخر- بعد حرکة التدوين- على غرار ما نجد في أيام العرب ووقائعهم المشهورة، وقصصهم المتداولة، وکذلک أمثالهم التي نقلت على صورة أقوال موجزة، تشير في کثير من الأحيان إلى قصص واقعية،أو مأثورات شعبية تداولها الشعراء في أشعارهم بصورة موجزة، وقد حمل الشعر کل هذا، فهو ديوانهم وسجل حياتهم، ثم إن اعتداد الشاعر العربي بنفسه وبقبيلته جعل منه محاورا ومنافحا عن ذاته وعن قبيلته، يجادل الآخرين: رفقة أو زوجة أو محبوبة؛ لذلک کان يبدأ قصائده بالتجريد قاصدا فتح هذا المجال. ([1])
وتساءل محمود تيمور من قبل عن وجود القصص فى الشعر العربى، بعد أن لاحظ أن نقاد الأدب ومؤرخيه قد أجمعوا على أن الشعر العربي خلا من القصة والملحمة - قائلا:" والحق الذى يجب أن نتظاهر فى تأييده والاحتجاج له، أن الأدب العربى لم يخل من هذا النوع الذى نسميه الشعر الملحمى، وإن کان الشبه غير قريب بينه وبين ملحمة اليونان، ففى شعر العرب أوصال الملاحم وأجزاؤها وعناصرها، بيد أنها لم تجتمع فى نسق واحد، ولم تلتق على وحدة جامعة."([2])
 
ويرى أحمد أمين هذا الرأى بعد أن يقسم الشعر الموضوعى إلى قسمين: القصصى والتمثيلى، ويضرب مثالا على ذک  بشعر عمر بن أبى ربيعة؛ ليصل إلى إن " الشعر القصصى صنف عام، والملحمة نوع منه. فکل قصيدة تقص قصة يکون الغرض الظاهر منها حکاية، هذه القصة تسمى شعرا قصصيا، فإذا کانت القصيدة أو القصائد القصصية تتناول الرجال المشهورين، والأعمال المشهورة فى التاريخ فتلک ملحمة. والعنصر الأول الضرورى فى الشعر القصصى هو حکاية قصة.. وفى هذه القصيدة القصصية يقص الشاعر القصة، ويعرض الحوادث والأشخاص أمام القارىء بتعليق أو بدون تعليق."([3])، ويؤکد کل هذا فهم رولان بارت للسرد، فالسرد عنده - بمفهومه الواسع- يشمل أنواعا عدة، لا حصر لها؛ حيث تتضمنه کل لغات العالم، فکل لغة لها سردها الخاص، وکل مادة صالحة لأن تتضمن سردا" فالسرد يمکن أن تحتمله اللغة المنطوقة شفوية کانت أم مکتوبة،والصورة ثابتة کانت أم متحرکة، والإيماء، مثلما يمکن أن يحتمله خليط منظم من هذه المواد. والسرد حاضر في الأسطورة وفي الحکاية الخرافية، وفي الحکاية علي لسان الحيوانات، وفي الخرافة وفي الأقصوصة والملحمة والتاريخ والمأساة والدراما والملهاة .. والخبر الصحفي التافه، وفي المحادثة، وفضلا عن ذلک فإن السرد بأشکاله اللانهائية تقريبا حاضر في کل الأزمنة وفي کل الأمکنة وفي کل المجتمعات فهو يبدأ مع تاريخ البشرية ذاته،ولا يوجد أي شعب بدون سرد. ([4])"          
1-عرضية القص وقصديته
 لقد صور الشاعر العربي القديم واقعه الاجتماعي الذاتي والجمعي تصويرا لا يخلو من حکي القصص عن الذات أو الجماعة، کما صور الحياة بمفهومها الواسع، بما اشتملت عليه من إنسان وحيوان، ولقد مثَّل الحيوان- سواء أکان بعيرا أم ثورا وحشيا أم خيلا أم ذئبا .. إلخ - عنصرا مهمّا داخل بنية القصيدة، فنسجت قصائد عديدة کان محورها الرئيسي الحيوان، مثلما عند النابغة الذبيانى فى وصف الثور ومادار بينه وبين کلاب الصيادين، وامرىء القيس وغيرهما، وقد حوت هذه القصائد من الرموز والدلالات ما کان له تأثيره الفني الذي لا يقل دلالة عن بقية العناصر المستخدمة فى القصيدة، فکان هذا منطلقا جماليا وفنيا لکثير من الدراسات النقدية، لتتسع إثر ذلک النظرة التأويلية للقصيدة.



[1]) ينظر:عبد اللطيف أرناءوط، السمات الفنية للقصة الشعرية،مجلة الموقف الأدبي،العددان 237 ،238، ط اتحاد الکتاب العرب بدمشق1991.وکذلک ينظر:د.مي يوسف خليف،العناصر القصصية في الشعر الجاهلي،ط دار الثقافة للنشر والتوزيع 1988،ص91ومابعدها.


[2]) محمود تيمور: محاضرات في القصص في أدب العرب، ط معهد الدراسات العالية 1958،ص 52.


[3]) أحمد أمين: النقد الأدبى، ط لجنة التأليف والترجمة والنشر 1952، ج1ص 79،80


[4])رولان بارت،التحليل البنيوي للسرد ،ترجمة حسن بحراوى،وبشير القمري وعبد الحميد مقلد، ط منشورات اتحاد کتاب المغرب-ضمن سلسلة ملفات طرائق تحليل السرد الأدبي- 1999- ص9 .