الطبقة الوسطي المصرية والتحولات الاقتصادية - قراءة تاريخية –

يهدف هذا البحث إلي تقديم قراءة تاريخية لمسار الطبقة الوسطى المصرية وتحولاتها في ظل المتغيرات الاقتصادية منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم. تتبع النشأة الأولى لهذه الطبقة في عهد محمد علي، حيث أسهم الجيش والتعليم الحديث والبيروقراطية في تكوين نواة اجتماعية جديدة ترتبط بالدولة لا بالملكية الزراعية. ومع توسع التعليم وتأسيس الجامعة والنقابات والصحافة، برزت المهن الحديثة كالأطباء والمعلمين والمحامين وموظفي الدولة كركائز للطبقة الوسطى. خلال فترة الاحتلال البريطاني، اتسع الجهاز الإداري لكن بحدود وضعها الاستعمار، ما رسخ شريحة من الموظفين شكلت قاعدة صلبة للطبقة الوسطى، التي لعبت لاحقًا دورًا سياسيًا بارزًا في الحركات الوطنية وحزب الوفد. ومع ثورة يوليو، استفادت هذه الطبقة من سياسات عبد الناصر في التصنيع، والتعليم المجاني، والتوظيف الحكومي، فبرزت الطبقة الوسطى البيروقراطية كقوة أساسية.غير أن سياسات الانفتاح في السبعينيات والثمانينيات أضعفت استقرارها؛ إذ تآكلت الامتيازات الاجتماعية وتراجع الأمان الوظيفي، بينما صعد رجال الأعمال الجدد وبرزت الفوارق داخل الطبقة نفسها. ومع النيوليبرالية في التسعينيات، اتسع التفاوت الطبقي، وتراجع دور الدولة في الرعاية، وتدهورت قيمة التعليم العام كأداة للحراك الاجتماعي، مما أدى إلى انقسام داخلي بين طبقة وسطى عليا وأخرى دنيا. بعد 2011، عمقت الأزمات السياسية والاقتصادية هشاشة هذه الطبقة، وأدى تعويم الجنيه عام 2016 وما تلاه من تضخم إلى ضغوط مباشرة قلّصت من قوتها الشرائية ومكانتها الاجتماعية. وهكذا، يُظهر المسار التاريخي أن الطبقة الوسطى المصرية لم تكن ثابتة، بل تأرجحت بين الصعود والتراجع تبعًا للسياسات الاقتصادية وظروف الأزمات، ما يجعلها اليوم أكثر عرضة للتآكل والانقسام.