فلسفة الغموض وأصل الحقيقة "دراسة في أنطولوجيا وفينومينولوجيا موريس ميرلوبونتي"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الاداب - جامعة الاسکندرية

المستخلص

      يتناول هذا البحث مشکلة أساسية عند ميرلوبونتي(*)  ألا وهي "فلسفة الغموض "(**) The Pilosophy of Ambiguity تللک المشکلة المتعلقة بالبحث عن أصل الحقيقية ،حقيقة إدراک العالم الذي نعيش فيه.  ويمکن القول إن موريس ميرلوبونتي ليس فيلسوفاً سهل الفهم،  وليس غموضه غموضاً متعمداً ، ولکن تأتي الصعوبة من دقة وتعقيد فکره ، من أجل تقديم بعض الموضوعات الرئيسة المتعلقة بإدراک العالم أو ما يسمى فينومينولوجيا الإدراک الحسي The Phenomenology of Perception، أملاً في أن يضيف عنصراً جديداً للفهم، مما يجعلنا نسعى لمحاولة مناقشة جوهر فکره ،لاستکشاف المزيد.وبالتالي فنحن بحاجة إلى دراسة الطرق المختلفة التي تظهر بها نفس الأشياء إلى أنماط مختلفة من الوعي(***) Consciousnessمثل: التفکير ،والإدراک، والخوف ، والحب ، والخيال ... إلخ.فالوعي قائم على قبول القصدية Intentionality .ومن ثم فإن الظواهر ذات صلة بالدراسات النفسية لدراسة التصور وشرح کيفية حدوث الأشياء، عن طريق تحليل الظواهر. وهذا ما يجعل من الظواهر نشاطاً متميزاً عن أي من العلوم التجريبية.إن مهمة الظواهر هي العودة لأساس التجربة الإنسانية التي هي مصدر العلم وجميع الأنشطة النظرية الأخرى.فمثلاً عندما نريد فهم السلوک البشري ،فلابد لنا من النظر في القوانين الفيزيائية والکيميائية ، ودراسة تاريخ المجتمع،وخبرتنا في الشعر والفن والعلاقات الشخصية و.يجب أن نتعامل على أنها فرع من فروع الفيزياء ،ووضع ذلک في الاعتبار.ربما يؤدي هذا إلى الارتباک والغموض والحيرة في فلسفة ميرلوبونتي ، ولکنه بتوضيح بسيط يعني أن التجربة الإنسانية شمولية، وهذه الشمولية تضم الوعي بالعالم والمشارکة فيه.
      فالوعي الذاتي يرتبط بوعينا بالآخرين ،وبتجربتهم ،وسلوکهم ،وحديثهم،والمشارکة بيننا وبينهم.فاعتمادنا على الآخرين يحدد کيف نعمل نحن ،فلا مفر من هذا الاعتماد على الآخرين في تخيل حريتنا وتشکيل مستقبلنا.هذا هو الشکل الحديث للإنسانية ، وهذا هو "الغموض " الذي يحدثنا عنه ميرلوبونتي .حيث يتعين علينا تحمل مسؤولية أفعالنا،مع الوضع في الاعتبار أن کل شئ نحاول القيام به يعتمد على المعنى الذي يعطيه لنا الآخرون.هذه هي وجودية ميرلوبونتي.فالعالم المتصور هو أرض مجهولة يحتاج لمزيد من الوقت والجهد والثقافة من أجل إعادة اکتشاف العالم من خلال الفن والفلسفة.فجميع تجاربنا الواقعية تعتمد على العلم والمعرفة والعالم الواقعي.والعالم الحقيقي ليس هو الضوء واللون والموجات والجسيمات التي يخبرنا العلم أنها تکمن وراء الأوهام الحسية.فالحواس تخدعنا.بل يمکننا تصور العالم على أنه أکثر شمولاً فهو " ملموس ومعقول" وهذا ما يوضح "غموض العالم" ذلک الغموض الجيد ، أو هو بالأحرى کشف الغموض واستکشاف الحقيقة.فبالعلم والتجربة معاً نصل لإدراک العالم.
      إن ميرلوبونتي هو أعظم من وصف الظواهر.وهناک مقالات جديدة تدرس النطاق الکامل لفلسفة ميرلوبونتي : التصور ، التصور الجسدي، القصد في تأملاته في العلم والطبيعة والفن والتاريخ والسياسة.حيث يستکشف المؤلفون أصول التاريخ في سياق فکره،وکذلک استمرار الصلة في العمل المعاصر المتعلق بالظواهر والفلسفة والعقل،والعلوم المعرفية والبيولوجيا والنقد الفني والنظرية الاجتماعية والسياسية.و ما يظهر هنا هو صورة جديدة وعميقة لميرلوبونتي تبين أهمية وأصالة فکره. فقد کان تأثير فلسفته عميقاً بعد موته ،خاصة على الفلسفة وعلم النفس والنقد.حيث تجددت الجهود لإحياء فلسفته واکتساب معرفة العالم من خلال نظرتيه في إدراک العالم وتوضيح حجم رؤياه وتسليط الضوء على تراث أفکاره الدائم في مختلف المجالات .فما يميز ميرلوبونتي هو اختراق هذه المجالات بنظرة ثاقبة.
      لقد کان ميرلوبونتي واحداً من أکثر الفلاسفة إبداعاً في القرن العشرين.لقد جمع طريقة جديدة للتفکير حول الهياکل الأساسية للحياة الإنسانية ،مع تأملات في الفن ،الأدب ،والسياسة التي تعتمد على هذه الفلسفة الجديدة.کما أن ظاهرية الإدراک شکل من أشکال علم النفس،ولکنه يرى أن البدائل النفسية والفلسفية ليست حصرية لأن الإنسان هو المتعالي، بمعنى أن الإنسان هو الذي يعطي معنى الأشياء ،أي معنى الفهم النفسي والفهم الفلسفي في الوقت نفسه.لأن الإدراک ليس حقيقة داخل العالم ،ولکنه القدرة التي يوجد بها العالم.مما يبرز دور الحواس في إدراک العالم و تنظيم التجربة.ولکن العالم غريب ومتناقض وفيه ما هو لامرئي