التجريب في الشعر العربي القديم (دراسة تحليلية نقدية)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية -کلية العلوم والآداب بالمخواة- جامعة الباحة.

المستخلص

إن تاريخ الإبداع البشري کله قائم على الإضافة والتجريب، فالتجريب هو المصدر الأهم الذي يحقق الإضافة الإبداعية النوعية المتميزة، وصحيح أن عملية التجريب قد تصل إلى الفشل أحيانا، ولا يحالفها النجاح لکن الصحيح أن التجريب هو الذي يفتح الآفاق أمام ظهور الجديد، وأمام التطور بشکل عام.
فالتجريب يصدر عن رغبة في رؤية الأشياء من زاوية جديدة، وکسر قواعد المنظور التقليدي.. التجريب مغامرة فنية، وعقلية، وروحية، تحاول أن تلبي حاجات عصر جديد، وترتبط بالأفکار والتصور والمذاهب الفلسفية التي تميز العصر.
ومن هذا المنطلق کان في الشعر العربي القديم محاولات تجريبية، قام بها شعراء، وکانت بعض هذه المحاولات بذرة أولى لما نلحظه في القصيدة العربية المعاصرة.
ونبدأ بتعريف التجريب وموقف النقاد منه.
فقد جاء المعنى اللغوي للتجريب : "جرّبه تجريباً وتجربة: اختبره مرة بعد أخرى، ويقال رجل مجرب، جرّبَ الأمور، وعرف ما عنده."([i])
والتجريب مصدر الفعل (جرّب) " والمجرَّبُ مثل المُجرَّس والمضرس: الذي قد جربته الأمور وأحکمته، ورجل مجرِّبُ ومجرَّب: ذو تجارب، قد جرّب وجُرّب"([ii])
وعن المفهوم الاصطلاحي للتجريب فهو ما عرفه أدونيس "المحاولة الدائمة للخروج من طرق التعبير المستقرة، أو التي أصبحت قوالب وأنماطا، وابتکار طرق جديدة، وتعني هذه المحاولة إعطاء الواقع طابعا إبداعيا حرکيا. هي إذن عمل مستمر؛ لتجاوز ما استقر وجَمُد، وهي تجسيد لإرادة التغيير، ورمز للإيمان بالإنسان، وقدرته غير المحدودة على صنع المستقبل، لا وفقا لحاجاته وحسب، بل وفقا لرغباته أيضا"([iii])
وکل محاولة جديدة في الأدب يمکن أن ندعوها تجريبا؛ لأنها تحمل معاني الجدة والابتکار، وغالبا ما توصف المغامرات الفنية الجديدة بأنها تجريب.
والتجريب کما يعرفه د. محمد صالح الشنطي هو "العمل على ابتکار أشکال جديدة غير مسبوقة؛ وذلک باستخدام اللغة على نحو جديد، أو توظيف الحاسة البصرية في تذوق النص، أو باستخدام الرسوم واللوحات التي يتم تشکيلها بواسطة الکلمات، أو بفتح النص ليتحول إلى نوع من الکتابة تذوب فيه حدود الأجناس الأدبية ويستدعي نصوصا، لا حصر لها حيث تصبح الکلمة إشارة عائمة في فضاء بلا حدود."([iv])
ويتصل التجريب بالإبداع وکسر المألوف والبحث عن أفق جديدة لذا يتصل التجريب بالتجربة والاختبار فالتجريب مشتق من جرب وهو محاولة والتجربة نتيجة تأتي بعد التجريب فالتجريب "هو التجربة الضرورية اللازم إجراؤها لتقدم الأدب على غرار ما يجري في مجال العلم"([v])
وإن المبادئ الأساسية التي يعتمدها الأدب التجريبي هي "رفع الحواجز الفکرية التي ظلت تهيمن على القرائح والمواهب طيلة سنوات، وتعطلها في سيرها نحو الخلق وتبعث فيها عقد النقص ومرکبات الاحتقار الذاتي "([vi]) ولا يقتصر التجريب على الشعر؛ فهو يمتد إلى جميع فنون الأدب، ويعالج الشکل والمضمون، ويمکن القول: إن التجريب هو المصدر الأهم الذي يحقق الإضافة الإبداعية النوعية المتميزة.
وهنا ينبغي التمييز بين التجريب المفتعل والتجريب من أجل التخريب وبين التجريب بوصفه حاجة وضرورة مُلِحَّة، يمليها قانون التطور ذاته، والتجريب ليس لعبة مزاجية أو موضة عابرة بل عملية بناء حقيقي قائم على الوعي المُعَمَّق بالأشياء والظواهر التي يسعى المبدع لتنميتها وتطويرها".



([i]) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط2، 1972م. ص114


([ii]) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، تحقيق: أحمد عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1990م.  ج1/98.


([iii]) زمن الشعر: أدونيس، دار الساقي، بيروت، ط6، 2005م. ص 355.


([iv]) النقد الأدبي المعاصر في المملکة العربية السعودية: د. محمد صالح الشنطي، دار الأندلس، حائل، ط1، 2004م .ص 978


([v]) قضايا الإبداع الفني: د. حسين جمعة، دار الآداب، بيروت، ط1، 1992م. ص86


([vi]) الأدب التجريبي: د.عز الدين المدني، الشرکة التونسية، تونس، (د.ط)، (د.ت)، ص 15.

الكلمات الرئيسية