الخطابُ الذُّکوريُّ - النِّسويُّ في الشِّعر القديم (البنية والنَّسق بين الائتلاف والاختلاف)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية -کلية الآداب – جامعة العريش

المستخلص

الخاتمة وأهم نتائج البحث
  توقّف البحث عند قراءةِ بنية الخِطاب الذُّکوري - النِّسويّ القديم،  في ظلِّ ما يُحيط به من أنساق ثقافيَّةٍ، تُشکِّله وتتفاعلُ معهُ إنتاجًا وتلقيًا، بين الائتلاف والاختلاف، وهو خطابٌ على أهميَّته القُصوى، التي نلمسها من خلال الفُصول، والأبواب، والکتبِ التي أفردَها لهُ القدماءُ جنبًا إلى جنب مع الخطاب الذّکوريّ، لم يحظَ  بمثل هذا الاهتمام في الدّرس الأدبيِّ الحديث.
  وقد حاول البحث إجابة الأسئلة التي وضعها فرضيّات  للوقوف على ماهيَّة هذا الخطاب، ومدى تأثيره في الشِّعريّة العربيَّة القديمة، وصيرورته بين التَّخطِّي والالتزام، وکيفيَّة قراءته  في ظلِّ أنساقهِ الثّقافيّة الملتبسة المتلبَسة به؛ مما أدَّى إلى تقسيمه إجرائيًّا إلى خطابينِ؛ خطاب  الائتلاف، والخِطاب المؤتلف المختلف.
 تمثَّل خطاب الائتلاف في الإجازة، والإنفاد، والّتمليط، وما إليها، وإن رکّز البحث على الإجازة تمثيلًا لهذا النّوع، وقصد بالائتلاف ائتلاف بنية الخطاب ظاهريًّا وباطنيًّا؛ أي ائتلاف الخطابين الشّعريّين الذّکوريّ والنّسويّ، والظّاهر والمضمر، نتيجةً  للتّماهي  وتطابق دائرتي الأنا والآخر، بحيث لا تلحظ الفروق ولا تستبين إلا من خلال الحکاية السّرديّة المتّصلة به؛ فأتى خطابًا متناغمًا متّصلا کأنّه نصّ  لمبدع واحدٍ، وکأنَّ مبدعيه يقولان بضمير واحد عن قريحة واحدة، وإحساسٍ واحد.
  وانتهت إجابة سؤال التّأصيل  إلى کون خطاب الائتلافِ مُعرِقًا في قدمِه عراقة الخِطابِ الشّعريّ العربيّ  منذُ فحُول الشّعر الجاهليّ الذين ارتبطت بدايته بهم، وشهدوا لشريکتهم بالإجادة والتفوق في هذا الخطاب التّفاعليّ، الذي يکمل فيه السّردُ الشّعرَ، والنّسويُّ الذّکوريَّ، بما سمح للخطاب النّسوي، بعد ذلک، بمحاولة  مخالفة النُّموذج الأبويّ الذّکوريّ، وتخطّيه، ومع ذلک ظلَّ خطابًا منسجمًا في بنيته ودلالاته.
  استمرَّ خِطاب  الائتلاف في المَشرقِ، وانتقل إلى الأندلس، کما انتقل من الشّعر إلى الموشّح؛ ولذا خالف البحث آراءَ مَن قَصَرَ هذا الخطاب على العبّاسيّين أو الأندلسييّن.
   أوضح البحثُ أن هذا الخطاب قد يکون مکتوبًا، وأشار إلى شواهد کتابيّةٍ متعدِّدةٍ، مع کونه شفويًّا في أصله. وقد استنتج البحث من  هذه الشّواهد المکتوبة على الرّقاع، والجدران، والأشجار، والثّمار، بالمدادِ، وبالأحجار، مشارکة الخِطاب النّسويّ الخِطابَ الذُّکوريَّ في بنيّة الثّقافة المکتوبة، وأَکَّدَ هذه الفرضيّة بشواهد أُخرى استدلّ بها؛  لينتهي إلى  معارضة  غلوّ الأفکار القائلة بتهميش المرأة العربيَّة واحتقارها في بنية الثّقافة، وتفنيد دعوى أن کلّ جارية خادمة، ذلک الغلوّ الذي ساد کثيرًا من الدّراسات النّقدية الجندريّة، والنِّسويّة، والثقافيّة المستنسخة؛ ولذا استلزم خطاب الائتلاف المکتوب مناقشتها، مناقشة انتهت إلى أنّ الخطاب الشّعريّ النّسويّ وفيرٌ، وفرة  کانت متحقّقة إلى عهدٍ قريبٍ، أبدعته النّساء الحرائر والجواري، من ذوات الوجاهة والبيوتات الشّعريّة، ومن طبقات المجتمع عامّة، ولکن أضاعته يدُ الإهمالِ والجهل، وتسلُّط الأعاجم.
 رصد البحثُ ما رآه من سماتِ خطاب الائتلاف في ضوء الأنساق الثّقافيَّة المحيطة به؛ فرأى أنَّه يتشکَّل عادةً في إطار واحدٍ متکرِّرٍ؛ يبدأ بالإجبالِ، أو الإرتاج الذُّکوريِّ، فطلب الإغاثة، والإنقاذ، وعَجْز الخطاب الذُّکوريّ عن إنقاذهِ، فيسرع الخطابُ النّسويُّ  لإغاثته  في إجادة نادرة؛ ممّا يجعل مستحقَّة لمکافأة ماديَّة ومعنويَّة؛ أهمُّها تحقيق هويَّتها، وانتزاع الاعتراف بشاعريّتها.
وسَم البحثُ خطاب المماتنة بالمؤتلف المختلف؛ لما رآه من کونه مؤتلفًا في ظاهره، ومختلفًا في مضمره؛ إذ يقوم على صراعٍ بين  مُبدعَيْهِ، يبدأ  من  السَّرد المُتصل به، المتداخل في تکوينه، ثمَّ ينتقل إلى بنية الشِّعرِ؛ التي لُحظ، من خلال القراءة، أنّها  بنيةٌ مراوغة؛ تختلف فيها دلالات الدَّالِّ بين ظاهر النَّصِّ وباطنه، أو بين الخطابين: الظَّاهر والمضمر، وهو ما سيطر على نسيج خطاب المماتنة المؤتلف المختلف لغةً وإيقاعًا وتصويرًا.
   وقد توصّل البحثُ، بالقراءة  الفاحصة للثُّنائيَّات المتقابلة في الخطابين:(الظّاهر والمُضمر)، إلى القول بتحکُّم  الوعي اللُّغويِّ والموسيقىِّ بين شقي الخطاب الذُّکوري- النّسويّ؛ إذ يتقاسم مبدعاه سيادةَ رکني الإطار الخارجيِّ؛ ففي حين يبادر الخطاب الذُّکوريُّ إلى سيادة الوزن ، يتحکَّم الخطابُ النِّسويُّ في القافية، ويستثمرها في تحويل الضَّمائر  للتَّأنيث، والتحکّم في المعجم اللُّغويِّ، کما يستثمر البنية الإيقاعيّة سعيًا لانتزاع الهويّة النّسويَّة من الهيمنة الذُّکوريَّة في هذا الخطاب المزدوج، الذي يبدو في ظاهره مؤتلفًا، ولکنْ يظلُّ في مضمره مختلفًا متصارعًا.
   حدَّد البحث  سمات خاصة للإطار الحکائيُّ في الخطاب المؤتلف المختلف؛منها القدرة على التَّناسُل، والتّشابه بالاستبدالات؛ فهو إطارٌ واحدٌ متشابه، يتشابه بين کثيرٍ من الرُّواة والنُّقاد من آباء الثَّقافة العربيَّة المؤسِّسين، سهل عليهم تناسل الحکاية بإتباعها بحکاية مشابهة مع استبدالات في عناصر الخطاب؛ لئلَّا يفقد دهشة التّلقّي.
 وکأنَّهم قصدُوا  بتلک التّقنيات تمرير خطاب المساواة، ورفض  التَّفحُّل المزعوم، تأسيسًا لقيم العدالةِ والحريّةِ والمساواة، وأنّ النّساء شقائق الرّجال في بنية الثَّقافة العربيّة التي يؤطّرها الخطاب الإسلاميّ  منذ مهدها.
 وبالرّغم من  أنّ من بين دوافع هذا البحث، وهمومه، مناقشة مقولاتٍ بعينها، تترى، متطرّفة في وصف الثّقافة العربيّة باحتقار الخطاب النّسويّ، وتهميشه، وإقصائه، بدافع الحقد والاستعلاء الذّکوريّ الفحوليّ؛ فإنَّه لم يجنح  إلى تبنِّي خطابٍ  أُحاديٍّ، أو خَطابيّ؛ ليدّعي وجود قيم مضادّة على حساب الحقائق عبر تطور الأنساق الثّقافيّة من الخيام إلى القصور، وإنّما حاول من خلال  التّأويل المحتملِ، لا المُفرِط، أن يُظهر الوجه الآخر المسکوتَ عنه لتقريب الصُّورة  إلى حقيقتها،  بعيدًا عن التّنميط الثّقافيّ.

الكلمات الرئيسية