طائفة البهــرة نشأتها وعقائدها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الفلسفة الإسلامية کلية الآداب – جامعة الإسکندرية

المستخلص

          إن جدلية الأتباع والمتبوعين قديمة أشار إليها الله تعالى في قوله تعالى: )إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ( (البقرة: 166). وکذا کانت البهرة، فهم المتبوعون الذين اتبعوا دعاتهم حتى أضلوهم السبيل، وحتى أصبحت طائفتهم – والتي تتضح فيها کل خصائص الأقليات- الأکثر عزلة عن غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى وکل محاولات التغيير الفردية يکون مصيرها التغريب في المجتمع أو الاضطهاد أو القهر؛ ومن ثم باتت الطائفة المستضعفة.
          وقد حاولت من خلال هذا البحث أن أعرض لتاريخ نشأة البهرة وأهم آراء من خلال بعض المؤلفات التي تعد بمثابة دستور لهم، ولا تزال کتبهم السرية تلوح وتنشر من وقت لآخر؛ مما يفسح المجال لمزيد من الدراسات حول هذه الطائفة.
          ويمکن أن أوجز هنا أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فيما يلي:
1-  لم تلق البهرة (المستعلية في مصر) قبولاً لدى المصريين مثلما کانت الإسماعيلية المذهب الأم؛ وذلک لطبيعة نفور المصريين من الغلو، والذي کان مثار سخريتهم اللاذعة والمتوارثة حتى اليوم من الفاطميين.
2-  قام مذهب البهرة على افتراضات أيديولوجية ليس لها أي أساس من الصحة، فحقيقة إمامهم الذي ينتسبون إليه هو محض خيال لا تؤکده أية حقيقة تاريخية، حتى حقيقة نسبتهم إلى
آل البيت تظل أيضًا مثار شک.
3-  إن سبب بقاء البهرة حتى اليوم تبرره عدة عوامل، منها ما هو مذهبي يعتمد على عاطفة محبة آل البيت، ومنها ما يرجع إلى أسباب اقتصادية؛ حيث يُشهد لهم اليوم بالرخاء الاقتصادي، ومنها ما هو قهري اضطراري؛ حيث إنه غير مسموح للبهري على الإطلاق بمغادرة المذهب حتى ولو کان إلى الزيدية أو غيرها من مذاهب الشيعة الأخرى.
4-  أدى انعزال طائفة البهرة الإجبار إلى دورانهم في فلک دعاتهم معنويًا وفعليًا دون أدنى أمل في التغيير أو الثورة، والتي مصيرها دومًا الفشل، لنفوذ وسلطة وسطوة الدعاة، وخوف البقية.
5-  قد يبدو ظاهريًا أن البهرة تحذو حذو الإسماعيلية، ولکنها أضافت الکثير من الآراء الغالية، والتي لم تأتِ بها الإسماعيلية نفسها، فقد کانت دعاوى تأليه الأئمة تظهر على استحياء في عهد الفاطميين، وسرعان ما تختفي لما تلقاه من هجوم على مستوى علماء المذهب نفسه، لکنها اليوم تبدو سلوکًا سافرًا لدى البهرة يجهرون به، رغم أنهم لا يسجدون للأئمة بل للدعاة المطلقين الذين يحکمونهم.
6-  على مستوى الفروع والأصول ابتدع البهرة منها ما لم يکن موجودًا من قبل الدولة الفاطمية، فهم يصلون الآن صلوات جديدة، وزکاتهم بمصارف جديدة، ويصومون ويحجون بطرق مستحدثة.
7-  مازال يراود البهرة الحنين القديم إلى موطنها الأصلي الذي نشأت فيه وخرجت منه وهو مصر ثم اليمن. فهي وإن کانت لا تزال موجودة باليمن ولزعمائها سلطة واسعة هناک، فإن محاولاتهم الوجود والبقاء في مصر کمذهب وکيان باءت بالفشل، رغم تودد سلطانهم للسلطة في مصر، واهتمامهم بترميم بعض آثارهم الدينية ومساجدهم، وأصبحت مصر لديهم هي موطن آثارهم الدينية وعتباتهم المقدسة.