مستقبل الحرف التقليدية* "حرفة الفخار نموذجا"

     نشأت صناعة الفخار نشأة بدائية خالصة تکاد تکون مرتبطة بالجنس البشرى من حيث النشأة والتطور، فجاءت الحرفة في بداياتها الأولى شديدة البساطة من حيث أدوات التصنيع والأشکال الفخارية التى يتم إنتاجها، کما کان الغرض من الصناعة بالأساس هو الحصول علي أغراض نفعية مباشرة دون الاهتمام بجودة أوجمال الفخاريات المصنعة، ثم مع مرور الوقت وتعاقب العصور وتقدم أدوات وأساليب الإنتاج والتصنيع، وکذلک تطورنظرة الإنسان للأشياء وتعدد أغراضه منها وإستخداماته لها، تطورت صناعة الفخار وتحولت من مجرد حرفة يعمل بها عدد محدود من الناس إلي صناعة متسعة تستقطب الکثيرين، بل الأکثر من ذلک أن اهتم بها العلماء والفنانون وطوروا وابتکروا فيها إلي أن أصبحت علماً يستفاد منه وفناً للاستمتاع بجمالياته.
    وقد عرفت مصر صناعة الفخار منذ وقت مبکر، ونشأت بها مع نشأة الحضارة الفرعونية، حيث تکاد لا تخلو مقبرة فرعونية تم اکتشافها من الحفائر الفخارية خصوصاً في مقابر الأشخاص منخفضى الرتبة والمکانة علي مر العصور الفرعونية الثلاثة في الدولة الأولى والوسطى والحديثة، وقد ساعد علي نشأة صناعة الفخار مبکراً في مصر الفرعونية، ومعرفة المصريين القدماء بها توافر المادة الخام الأساسية المستخدمة في هذه الصناعة والمتمثلة في الطين المتراکم على ضفاف النيل؛ و الذى کان يستخدم بالأساس في عمل القمائن وحرق الطوب اللبن، مما مهد وساعد علي معرفة صنع الفخار ثم تشکيله علي شکل آنية تستخدم لتقديم الطعام وجرارى لحفظ المياة وشربها. (ليلى کامل البهنساوى ، 2009 : 8) .
     ولم تتوقف صناعة الفخار في مصرعند العصور الفرعونية، وإنما استمرت وتطورت علي مر العصور اللاحقة اليونانية البطلمية ثم الرومانية والقبطية وصولاً إلي الفتح العربى آخذة في التأرجح بين هذه العهود نمواً وتراجعاً بحسب الاهتمامات السائدة سواء کانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو إنتاجية.(صفوت کمال، 2006 : 21). 
     وقد توسع فن الفخار علماً وصناعة توسعاً کبيراً في عصرنا هذا نظراً لتوسع وتقدم العلوم ذات العلاقة به، وتخصص الفنانين في ممارسته، واستخدمت التکنولوجيا في صناعتة، ولکن بالرغم من ذلک فهناک بعض المجتمعات التى ظلت تمارس الحرفة دون تطوير في صناعة المنتجات الفخارية الموروثة عن الأجداد. (دوار. م . بيلينکتون ، 1974 : 3). 
     ولابد من الإشارة هنا إلي أن الصناعات الحرفية قد أصبحت في عمومها تلعب دوراً هاماً في الاقتصاد القومى لکثير من الدول المتقدمة والنامية، وتشير التحليلات الاقتصادية والاجتماعية للتجارب العالمية إلي أن معظم الاقتصاديات التى اتخذت من الصناعات الحرفية رکيزة لها، قد حققت إنجازات هائلة خلال العقدين الأخيرين، وتحولت من بلاد مستهلکة إلى قوى منتجة وخلاقة، وذلک باللجوء إلى تلک الحرف التقليدية التى تتلاءم مع الزيادة السکانية وقلة الاستثمارات اللازمة لها،وذلک من خلال إستغلال الخامات المتاحة وابتکار أساليب تقنية جديدة تتلاءم مع وفرة الأيدى العاملة، وذلک لإنتاج سلع ومنتجات يحتاجها عموم المواطنين في حياتهم اليومية ويصدر الفائض منها إلي الخارج. (حامد الهادى ، 2006 : 94 ).