قَصصي حِکائي، ‘رحلة الى الغرب’، و تَحوُّل الفضاء: خطابات التحديث عند علي مبارک Fictive Mode, ‘Journey to the West’, and Transformation of Space: ‘Ali Mubarak’s Discourses of Modernization

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة الملک عبد العزيز - جدة

المستخلص

تکشف هذه الدراسة المهمة عن بدايات ظهور الرواية في الأدب العربي الحديث؛ مُعيدةً تلک البدايات إلى القرن التاسع عشر الميلادي، و رابطةً إيّاها بمرحلة التحديث، أو ما يُعرف بعصر النهضة أو التنوير الذي بدأ في العالم العربي مع الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798م. حيث کان لـسياسة التحديث التي هدفت إليها تلک الحملة أثر في ظهور الرواية في العالم العربي. و ذلک نتيجة للتحوّل الکبير الذي حدث في بداية مرحلة التحديث للعلاقة المُتصوّرة بين الزمان و المکان، ممّا أطلق العنان للسرد العربي؛ فظهرت الرواية کجنس أدبي سردي حديث تعود أصوله إلى الغرب.
تشير مؤلّفة هذه الدراسة إلى أن تاريخ الأدب القصصي العربي الحديث لم يلتفت -في کثير من الأحيان- إلى کتابي  الکاتب المصري علي باشا مبارک (1823/ 4-1893م): (الخطط التوفيقية) 1886-1889م،و (علم الدين)1882م باعتبارهما وثائق تاريخية مهمّة و مصادر للمتعة الأدبيّة؛ فقد تم تهميش هذين الکتابين، و بصفة خاصة کتاب (علم الدين). فهذا الکتاب الذي يحمل طابع المُسامرات؛ حيث يقوم على رواية القصص أو الحکايات قد أُعتُبِر وفقًا للمنظور التاريخي النقدي مجرّد محاولة غير ناجحة لإنتاج السرد الحديث، و نموذجًا للقصص التعليمي و للعناية بما هو تقليدي أکثر من العناية بما هو حديث؛ مما لا يؤهّله - في نهاية الأمر- لأن يرقى إلى مصاف الرواية.
إن هذه الدراسة تتناول الکتابين السابق ذکرهما من منظور نقدي جديد يقوم على إعادة النظر في التفسير النقدي التاريخي؛ مسلطةً الضوء على کتاب (علم الدين) بصفة خاصة. حيث توضح المؤلفة أن هذا الکتاب قد ارتکز في تأليفه على کتاب المؤلف الآخر (الخطط التوفيقية)؛ فالکتابان يعتمدان على بعضهما البعض، و کلٌّ منهما يُمثّل مرجعيّة للآخر. ذاک أنهما قد کُتبا في فترة زمنيّة واحدة تقريبًا، فضلاً عن أن کتاب (علم الدين) يُمثّل إعادة لصياغة الحقائق الجغرافية و التاريخية التي وردت في کتاب (الخطط التوفيقية)، و من ثمّ نسجها في قالب أدبي حديث أعتبرته هذه الدراسة بداية لکتابة الرواية بشکلها الحديث الذي هي عليه اليوم.
تجادل المؤلّفة في دراستها التي بين أيدينا بأن کتابي (الخطط التوفيقية) و (علم الدين) يُمثلان من حيث أسبقيتهما الزمنيّة ما قبل الرواية العربية، و أن لهما أحقيّة الريادة في الرواية العربية على المستوى الموضوعي و المستوى العام. فکتاب (الخطط التوفيقيّة) قد قدّم خطة السرد التي ترتکز على رسم خريطة الأمة؛ و ذلک برسمه لطبوغرافيا جديدة لمصر، کما مهّد  کتاب (علم الدين) الطريق أمام عدد کبير من الکتابات التي تناولت الرحلات نحو التحديث؛ و هي رحلات ارتکزت على إکتشاف (الذات) التي تُمثّل (الأنا)، و على التعرّف على (الغرب) الذي يُمثّل (الآخر). و تضيف المؤلّفة موضحة أن ما قام به کتاب (علم الدين) من تحويل نموذج معيّن يُظهر التقاطعات المتعددة بين ‘الشرق’ و ‘الغرب’، و ‘الماضي’ و ‘الحاضر’، و ‘الجغرافيا’ و ‘التاريخ’، و ‘الواقعي’ و ‘الخيالي’ إلى نص أدبي؛ قد فتح فضاء السرد العربي ‘التقليدي’ أمام طُرُق إعادة تشکيل جديدة و غير مألوفة، و هيّأ للسرد العربي طريقة جديدة تدفعه للأمام. و ذلک لما حقّقه من إعادة لصياغة السرد التاريخي و الجغرافي في شکل الرواية بمفهومها الحالي کجنس أدبي قصصي. و هکذا فإن کتابي علي مبارک (الخطط التوفيقية)،و (علم الدين) قد شکّلا –وفقًا لهذه الدراسة- نقطة البداية للرواية العربية في العصر الحديث. و بالتالي فقد تم استدعاؤهما فيما بعد  من قِبل الروائيّن العرب اللاحقين؛ و ذلک من مثل جمال الغيطاني في (خِطط الغيطاني) 1980م، و نجيب محفوظ في (رحلة ابن فطّومة) 1983م.