أشکال الاحتجاج في مصر بين الثبات والتغير دراسة تحليلية للاحتجاجات العمالية والطلابية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الاجتماع - کلية الاداب - جامعة القاهرة

المستخلص

        أکدت بعض دراسات "الثقافة والشخصية" أن عامل العلاقة بين السلطة الحاکمة والمجتمع لعب دورًا محوريًا في صبغ الشخصية الوطنية المصرية بسمات محددة، حيث غلب على هذه العلاقة سمة القهر السياسي التي اعتبرها جمال حمدان منبع معظم سلبيات هذه الشخصية، وأوضح ذلک بقوله: "مهما جاء کشف حساب المزايا والمثالب، فثمة شئ واحد مؤکد لا خلاف عليه من الجميع تقريبًا أن معظم سلبيات وعيوب الشخصية المصرية إنما يعود أساسًا وفي الدرجة الأولى إلى القهر السياسي الذي تعرضت له ببشاعة طوال التاريخ. ومن هنا يجمع الکل على أن النغمة الأساسية واللحن الخفي المستمر وراء الشخصية المصرية في علاقتها بالسلطة ومفتاح هذه العلاقة التعسة هي العداء المتبادل والريبة المتبادلة، هي الحب المفقود والبغض الموجود بلا حدود... وأنه لا حل ولا أمل للشخصية المصرية حتى اليوم في التغير ولا في التخلص من سلبياتها الخطيرة والمعقدة إلا بتغيير وتصفية القهر السياسي"[1]. 
      من ناحية أخرى، أوضح التاريخ الاجتماعي المصري آليات للتکيف وأخرى للمقاومة کاستجابة للأفراد لهذا المناخ الذي اتسم بالقهر المتعدد الجوانب – الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي- والذي أسفر عن مظاهر أخرى من أهمها الفقر. ولکن من الصعب التمييز بين تلک الآليات على الصعيد العملي في کثير من الأحيان، فاختلاطها وازدواجية أدوارها أدى إلى أنه يمکن اعتبار آليات التکيف في ذاتها جزءًا من آليات المقاومة أيضًا، بل نظر إليها الکثير من الکتاب والمحللين، بوصفها مقاومة سلبية[1].
        وإذا ما أردنا الإشارة إلى أبرز آليات تکيف الأفراد مع الواقع نجد تنوعًا في الحکم والأمثال الشعبية المصرية التي حثت على الخضوع التام للسلطة والاستکانة لها، على سبيل المثال: "اللي يتجوز أمي أقوله يا عمي"، أو "أرقص للقرد في زمانه". فضلاً عن استخدام الوعاظ لآيات قرآنية بعينها للحض على طاعة ولي الأمر، والتسليم بالتفاوت في الثروات على أساس أن الله وحده مقسم الأرزاق، وإزدراء الثروة على أساس أن الفقير أقرب الناس إلى الله[1].
         وقد طور المصريون عبر تاريخهم، آليات أخرى للتکيف أو لمقاومة مناخ القهر متمثلة في التحايل على ظروفهم، وکبت المشاعر وإخفاء الصراعات المضطربة داخل النفس، والتکاسل عن العمل، والبعد عن الدقة والاتقان... وغير ذلک من آليات قامت بدور کبير في بقائهم واستمرارهم بإزاء علاقات القهر. کذلک طوروا  في الوقت ذاته ما يمکن أن نسميه أنماط إيجابية من التحايل، کتحايل المصريين المعاصرين على ظروف الفقر ونجاحهم في تدبير معاشهم بأبسط الأمور. وليس ثمة خلاف في أن المصريين يتحايلون على القوانين التي لا تجد لها صدى نفسي اجتماعي لديهم، وهذه الظاهرة امتداد لتراث عريق من التحايل على التعسف السياسي والبيروقراطي، کالتحايل على الضرائب، أو الجمارک[1].    
        کما عکس الأدب الشعبي الذي يعود إلى الدولة القديمة مقاومة الشعب المصري لمظاهر معاناته من الاستبداد والظلم، وخير مثال على ذلک قصة "الفلاح الفصيح" وشکواه المنقوشة على بردية محفوظة في متحف برلين ملامح الوعي الشعبي بما يجب أن تکون عليه سياسة الدولة إزاء الشعب، فعلى لسان الفلاح خون أنوب في شکواه يحدد تصوره لواجبات الحکومة إزاء المواطنين: "أن تقضي على الظلم، وتقيم العدل، وتوفر الطعام والملبس والدفء، وأن تقف إلى جانب الفقير ضد ظالميه"[1].      
        وقد أعاد قيام ثورة 25 يناير 2011 إلى الأذهان المقولات والمواقف التي توضح التاريخ الطويل للاحتجاج والمقاومة للمصريين، بدءًا من تلک الشکوى للفلاح الفصيح، مرورًا بکافة الانتفاضات الشعبية، والاحتجاجات الجماعية عبر المراحل التاريخية المختلفة، والتي تعددت آلياتها وأشکالها، ومن ثم سوف ترکز هذه الدراسة على أشکال الاحتجاج في المجتمع المصري عقب هذه الثورة. وستنقسم هذه الدراسة إلى أربعة أقسام أساسية؛ وهي: القسم الأول سيتناول إشکالية الدراسة وإجراءاتها المنهجية. والقسم الثاني: الحرکة الاجتماعية من الحرمان إلى الاحتجاج: رؤية نظرية. أما القسم الثالث فهو: الاحتجاجات العمالية والطلابية في مصر من انتفاضة يناير 1977 حتى ثورة  يناير2011. وأخيرًا القسم الرابع : أثر ثورة 25 يناير على الاحتجاجات العمالية والطلابية في مصر.