رأس المال الاجتماعى ودعم المشروعات الصناعية " دراسة ميدانية بقرية باسوس فى محافظة القليوبية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الاجتماع - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

     تعتبر المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة أحد أهم العناصر الجوهرية فى عمليات التنمية الشاملة والمستدامة فى معظم دول العالم الصناعية والنامية على السواء، کما أشار تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (2014)؛ نظرًا لدورها الحيوي و قدرتها على استخدام رأس المال بصورة منتجة، ولا شک أن الغالبية العظمى من الاقتصاديات العالمية تعتمد اعتمادًا أساسيًا على قوة المشروعات الصغيرة فى هذه المجتمعات؛ إذ إنها تمثل إحدى حلقات التوازن فى الهياکل الإقتصادية؛ نظرًا لما تتميز به من مرونة وسرعة استجابة لمتغيرات الأسواق المحلية والعالمية، فضلاً عن مساهمتها فى التخفيف من حدة الفقر ورفع مستوى المعيشة للفئات الأکثر فقرًا عن طريق توفير فرص العمل للعمالة غير الماهرة، والمساهمة  فى استثمار رءوس الأموال المحلية، کما تمثل المشروعات الصغيرة من الناحية الفنية أحد أهم مفردات التطور التکنولوجى، حيث قدرتها الفائقة على تطوير وتحديث عمليات الإنتاج بشکل أسرع، وبتکلفة أقل کثيرًا من الشرکات الضخمة ذات الاستثمارات العالية (ليلي البهنساوى،2009: 19، 20).                                                                         
وفى مصر أسهمت المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى تنمية الاقتصاد المصرى وتطويره على مر العصور التاريخية؛ ففى معظم أحياء المدن المصرية کانت توجد الصناعات التقليدية والصناعات الصغيرة والمتوسطة کصناعات الغزل والنسيج، وصناعة الخيام، والصناعات الخشبية والمعدنية وغيرها. وقد أکدت على ذلک کثيرٌ من الدراسات فى مجال الصناعات الصغيرة والتقليدية، ويأتى فى مقدمتها إصدارات المرکز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حول القطاع غير الرسمى فى حضر مصر([1])، وبصفة خاصة دراسات التقرير الثانى، بعنوان " المجتمع المحلى وملامح القطاع غير الرسمي فى حضر مصر" (2001)، الذى عنى بدراسة المنشآت بوصفها وحدات مهمة من وحدات القطاع غير الرسمى فى سياق المجتمع المحلى، وتم اختيار " بولاق" کمجتمع تقليدى و" المطرية " کمجتمع معاصر للتعرف على دور المجتمع المحلى فى تشکيل ملامح القطاع غير الرسمي ومنشآته، وتم الاستعانة بأدوات منهجية کمية، وأخرى کيفية، ومن نماذج هذه الدراسات  دراسة حول : " المجتمع المحلى وملامح القطاع غير الرسمي"، التى اهتمت بمنشآت وأنشطة القطاع غير الرسمي وأهم ملامحها البنائية والثقافية والإيکولوجية، ودراسة " الملامح الإيکولوجية والثقافية لأنشطة القطاع "، وأيضًا " الخصائص الإيکولوجية والبنائية لمنشآت القطاع "، وأيضًا دراسة " الأوضاع القانونية لمنشآت القطاع "، وقد أکدت هذه الدراسات فى مجملها أن القطاع غير الرسمي يمثل جزءًا مهمًا ومکونًا ديناميًا فى الاقتصاد الکلى؛ إذ يضطلع بعدد من الوظائف کالمساهمة فى حل مشکلة البطالة، وتقديم خدمات للعديد من فئات المجتمع بغض النظر عن النوع والجودة، کما أنه يعد امتدادًا للمجتمع المحلى، ويرجع ذلک إلى أن المجتمع المحلى يقوم بفرض حماية غير رسمية، فضلاً عن وجود علاقة تعاونية بينه وبين أنشطة هذا القطاع، کما أسفرت النتائج عن انخفاض حجم التعاملات  بين منشآت هذا القطاع والمؤسسات الرسمية؛ نظرًا لطول الإجراءات وتعقدها، فضلاً عن انعدام الحماية القانونية والصحية للعاملين بمنشآت القطاع غير الرسمي، (للمزيد من التفاصيل حول هذه الدراسات أنظر: اعتماد علام؛ آمال عبد الحميد؛ سحر حافظ فى :(على جلبي وآخرون، 2001).
وأشارت دراسات أخرى إلى أن هناک الکثير من المعوقات التى تواجه المشروعات الصغيرة فى مصر يأتى فى مقدمتها: المعوقات التمويلية، ونقص العمالة الفنية المدربة نتيجة نقص أنظمة التدريب  المهنى والتعليمى، معوقات التسويق حيث محدودية قنوات وشبکات التوزيع ونقص المعلومات التسويقية، وضعف الروابط بين المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والکبيرة المحلية والأجنبية، يضاف إلى ذلک المعوقات الإدارية والحکومية، ومن هذه الدراسات دراسة الإدارة المرکزية للبحوث المالية والتنمية الإدارية، بعنوان " تفعيل دور المشروعات الصغيرة فى خدمة أهداف التنمية الاقتصادية المصرية " حيث أشارت إلى ما  تواجهه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر من المشکلات العديدة،  التي تحد من القدرة على تنميتها وتطويرها ومنها المشاکل المتعلقة ببيئة الاستثمار والسوق والتسويق والقدرات الإدارية والتنظيمية والفنية للقائمين على هذه المشروعات، وأخيراً مشکلة الحصول على التمويل الملائم في الوقت المناسب، ويعد نقص التمويل من العقبات الرئيسية التي تواجه هذه المشروعات، (سماح مصطفى عبد الغنى،غير مبين). 
وعنيت دراسة ليلى البهنساوى (2009) حول " السياق الاجتماعى وتنمية المشروعات الصغيرة دراسة حالة لمنطقة بطن البقرة" بالوقوف على واقع التنمية  للمشروعات الصغيرة من خلال دراسة حالة لمنطقة " بطن البقرة "، خاصة حرفة الخزف والفخار، وانطلقت من نظريات التنمية البشرية، واعتمدت على منهج دراسة المجتمع المحلى، وأوضحت الدراسة أن الظروف البيئية والإيکولوجية والسکنية تؤثر بدرجة کبيرة على مستوى المعيشة بصفة عامة، وهو ما انعکس على انخفاض المستوى التعليمى والصحى والأمنى والقيمي لسکان المنطقة، وأکدت على ضرورة التنمية فى إطار برامج وسياسات التنمية خاصة للمشروعات الصغيرة، مع الاهتمام برسم سياسات مساعدة تسهم فى النهوض بمستوى الحى اجتماعيًا وتعليميًا وثقافيًا وصحيًا حتى يتم التطوير التدريجى للمنطقة بشکل کامل. 
           وفى دراسة حول: " تنمية ودعم الصناعات الصغيرة کأحد الرکائز الأساسية فى تنمية اقتصاديات المجتمعات الريفية فى مصر "(2004) هدفت إلي طرح رکائز وآليات  لتفعيل دور الصناعات الحرفية والصغيرة لتنمية الموارد الاقتصادية للقرية المصرية، واعتمدت على استعراض عدد من التجارب العالمية فى تنمية الصناعات الصغيرة والحرفية مثل: التجربة الصينية، الهندية، وأوصت الدراسة بضرورة تنمية الصناعات الصغيرة فى القرى المصرية کأحد الرکائز الأساسية فى التنمية الشاملة من خلال إنشاء هيئة أو کيان لتمويل المشروعات الصغيرة بقروض ميسرة، وتوفير التدريب المهنى اللازم، فضلاً عن تقديم التسهيلات والاعفاءات الجمرکية مساواة بالصناعات الکبيرة (محمد رضا عبد الله، إيهاب عبد المجيد الشاذلى، 2004).
وخلال العقود الأخيرة الماضية، کان هناک تنامٍ للمشروعات الصناعية الصغيرة فى بعض القرى المصرية؛ نظرًا لما تشهده القرية المصرية من تغييرات عديدة ومتلاحقة، فهى ليست وحدة اجتماعية بنائية معزولة عن المجتمع المصرى، وما يدور فيه من تغيرات وتطورات سريعة ومتلاحقة؛ أثرت على بيئة القرية وبنيتها الجغرافية والعمرانية والاقتصادية، وأکثر هذه التغييرات وضوحًا هو التزايد المطرد فى عدد السکان واستمرار تآکل الرقعة الزراعية، فضلاً عن التغير النوعى فى البنية المهنية للسکان، حيث أصبحت تضم شرائح عديدة من المهن والحرف التى لا صلة لها بالإنتاج الزراعى، يضاف إلى ذلک تغير الشکل العمرانى بالقرية؛ حيث ساد نمط الشقق السکنية بدلاً من المنزل الريفى التقليدى، ومن نماذج هذه القرى التى شهدت تغيرات فى أنشطتها الاقتصادية، قرية سلامون القماش بمحافظة الدقهلية، وقرية کرداسة بمحافظة الجيزة، وقرية باسوس بمحافظة القليوبية (مجال الدراسة الراهنة)، وقد أثار هذا تساؤلاً مهمًا، يرتبط بالعوامل الداعمة لهذه المشروعات داخل القرى المصرية، التى تفتقر إلى حد کبير لمقومات بقائها واستمراريتها. وتحتاج الإجابة عن هذا التساؤل إجراء المزيد من الدراسات الميدانية للتعرف على هذه العوامل التى تسهم فى دعم ومساندة هذه المشروعات الصناعية.
کما کشفت الأدبيات المرتبطة برأس المال الاجتماعى عن دوره فى تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال زيادة الإنتاج وتحسين القدرة التنافسية للمشروعات، إذ تساعد شبکة العلاقات الاجتماعية على تقليل التکلفة للمعاملات والصفقات، کما يؤدى وجود رأس مال اجتماعى فعال إلى نشر قيم التعاون والمشارکة والثقة، وقدرته على دعم فاعلية کل من الدولة وسوق العمل ومنظمات القطاع الخاص ( ماجد إبراهيم عثمان، 2005: 5)، وقد أشار تقرير التنمية البشرية (2003) إلى أن رأس المال الاجتماعى هو " النظام المؤسس والعلاقات والتقاليد والقيم التى تؤثر على کافة جوانب المجتمع بما ينعکس على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية ذات التأثير المباشر على عملية التنمية واستمراريتها ". 
ومن ثم يتجه الاهتمام البحثى للدراسة الراهنة إلى التعرف على دور رأس المال الاجتماعى وشبکة العلاقات الاجتماعية  فى دعم المشروعات الصناعية بقرية باسوس (إحدى قرى محافظة القليوبية) والتى يطلق عليها " تايوان مصر" أو " قلعة الصناعات المضروبة "، إذ يتم فيها تصنيع العديد من المنتجات وخاصة المنتجات الکهربائية والبلاستيکية، کما أن هذه الصناعات يزداد حجمها ويتضاعف يومًا بعد يوم، کجزء لا يتجزأ من مجتمع القرية وملامحها البنائية والاجتماعية



([1]) على جلبي وآخرون، القطاع غير الرسمى فى حضر مصر، المرکز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة (وقد صدرت هذه الدراسة فى أربعة مجلدات وبدأت من سنة 1996 وصدر المجلد فى 2011).