التغير الاجتماعي وتشريعات الأحوال الشخصية في المجتمع المصري

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الاجتماع - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

يعد الضبط الاجتماعي عاملاً أساسياً في أي مجتمع من المجتمعات ، من حيث کونه نظاماً اجتماعياً له کيانه ووظيفته کظاهرة من ظواهر المجتمع ، تعمل من أجل تحقيق الاستقرار والتوازن والحفاظ على النظام العام من خلال العلاقة بينه - کنظام ضبط اجتماعي - والنظم الاجتماعية الأخرى ( زينب إبراهيم النجار :2004, ص 102) . ويعد القانون هو أحد المصادر الهامة في الضبط الاجتماعي ، وهذا ما أکده مونتسکيو في کتابه روح القوانين حيث نظر إلي القانون بوصفه جزءاً من الحياة الاجتماعية يقف على قدم المساواة مع بقية الأجزاء الأخرى التي تحکم الناس وتوحد سلوکياتهم ، ويتشکل القانون عن طريق المجتمع أي أنه لا يُفرض على المجتمع فرضاً وإنما هو من صنع المجتمع ، وهو في نفس الوقت يؤثر فيه (سامية جابر :1997, 286) . وبذلک نجد أن القانون لا يکون فاعلاً ومؤثراً إلا إذا کان متأتياً من المجتمع ومن طبيعة الأحداث التي يشهدها (إحسان محمد الحسن : 2008 , ص 13) , وإذا کان القانون لا يقوم وحده بحکم علاقات الأفراد في المجتمع باعتبار أن هناک قواعد أخرى تشارک في إقرار الضبط الاجتماعي , إلا أن القانون يعتبر ولا شک أهم هذه الضوابط جميعها ليس لأنه مجرد مجموعة من القواعد التي تحکم سلوک الأفراد ، وإنما هو نظام هيکلي شامل يرتکز على قيام اعتقاد جماعي بموجب الإجبار على التطبيق لما يتضمنه من تنظيمات وقواعد ( محمود أبو زيد :1992, ص 35 ) . وبذلک نجد أن القوانين وتنفيذها من أهم مظاهر سيادة الدولة في المجتمع ، وموافقة الدولة هي السمة المميزة للقانون فلا يمکن وضع حدود أو قيود تحد من سيادة الدولة في سن القوانين التي تضعها بالوسائل التشريعية والتي تظهر فيها سيادتها (حسن الساعاتي :1960, ص 132) . وعلي ذلک فالقانون والدولة ظاهرتان متلازمتان وتغير أحدهما يرتبط بتغير الآخر ، ولا تمارس الدولة دورها مستقلاً عن القانون ((William M .Evan 1980, P61 .
     ويؤثر القانون باعتباره ظاهرة اجتماعية في النظم الاجتماعية الأخرى والتي بدورها تُکون المجتمع ، کما أکد الکثير من علماء الاجتماع أن القانون جزء أساسي في المجتمع يعمل على تنظيم العلاقات بين الأفراد في جميع المجالات والمؤسسات داخل المجتمع وخاصة العلاقات الاجتماعية التي لا يمکن تنظيمها بدون القانون , وعلى هذا يخضع القانون باعتباره ظاهرة اجتماعية لعمليات التغير والتحديث نتيجة المتغيرات : الاقتصادية والسياسية...وغيرها . وتطورت کذلک القوانين نتيجة لتحديث النظم القانونية والمؤسسات التشريعية والقانونية (حسين عبد الحميد أحمد : 2009 , ص241) . کما أکد دورکايم بأن التغيرات في الظواهر الاجتماعية المادية مثل القانون يعد انعکاساً للتغيرات التي تحدث في الظواهر الأکثر أهمية في نظره ( اللامادية ) مثل القواعد الأخلاقًية والتيارات الاجتماعية ( جورج ريترز:2012 , ص128 ) , وبذلک لابد أن يتم صياغة قوانين جديدة تتلاءم مع الظروف والمعطيات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع , فتغير المجتمع من شکل إلي آخر يحتم تغير القوانين بقوانين جديدة تتلاءم مع طبيعة المجتمع وخصوصياته ومشکلاته والعوامل والقوى الاجتماعية المؤثرة فيه ( إحسان محمد الحسن , مرجع سابق , ص 22 ).
     وإذا کان القانون يعمل على الحفاظ على المجتمع وعلى الاستقرار والتوازن داخله ، فإنه يعمل وبشکل خاص على التوازن داخل الأسرة واستقرارها على اعتبار أنها الخلية الأولى في المجتمع ، کما أنها مرآته التي تعکس مختلف أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية ( أحمد زايد :2002, ص134 ) , ويمثل قانون الأحوال الشخصية أهمية خاصة نظراً لما يتضمنه من قواعد قانونية تنظم الشکل القانوني لتکوين الأسرة والعلاقات المختلفة بين أفرادها ، وينعکس تأثيره على المجتمع بأسره . فقد تعددت القوانين المنظمة للأسرة ، وربما ينفرد قانون الأحوال الشخصية عن غيره من القوانين الأخرى بکثرة التعديلات والقوانين التي تحکمه ، بينما هناک بعض من القوانين الأخرى تتميز بالثبات النسبي إذا ما قورنت به ، ويتضح ذلک إذا علمنا أن القوانين المنظمة للأسرة في مصر يتبادلها القوانين 25 لسنة 1920, و القانون25 لسنة 1929, والقرار بقانون44 لسنة 1979, والقانون100لسنة 1985, وأخيراً القانون 1 لسنة 2000. وتُشکل هذه القوانين مجالاً للجدل خاصة فيما يتعلق بدستوريتها وخطواتها التشريعية من ناحية ، والبعض الأخر حول المشکلات القاعدية لاستنباط الأحکام القانونية ، ووجود مشکلات تعارضت مع الواقع الاجتماعي ، ولذلک تلقى قوانين الأحوال الشخصية اهتماماً لا نظير له من جانب العامة والمتخصصين في التشريع والقانون وعلم الاجتماع . وتزداد مشکلات قوانين الأحوال الشخصية نتيجة ما يشهده المجتمع من تغيرات دائماً ما تکون في حاجة إلى مواکبة في الإطار القانوني , إلا أن القانون کآلية لضبط علاقات الأفراد وتفاعلاتهم لا يمکن أن يکون فاعلا بمفرده ، حيث يمکن للقانون أن يقنن السلوک ويحدد ضوابطه ، غير أن تفعيل النصوص القانونية وقدرتها على ضبط المجتمع يحتاج إلى آليات مجتمعية أخرى تتناول المحتوى الثقافي ومنظومة القيم التي تساعد على تحقيق فاعلية لهذه النصوص القانونية من خلال القبول المجتمعي لها وإدراک أهميتها في ضبط الحياة الاجتماعية ، وهذا يؤکد العلاقة بين القانون والواقع الاجتماعي .
     ومن خلال الاطلاع على التراث البحثي حول التغير الاجتماعي وتشريعات الأحوال الشخصية، فقد تناولت بعض الدراسات [1] الأبعاد الاجتماعية للقانون في المجتمع وآليات تشريعه ، وعلاقته بالنظم الأخرى في المجتمع ، وتأکيدها على أن التغيرات في النظام القانوني لا يمکن أن تتم بمعزل عن التغير في المجتمع اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً , کما أن تغيير النظام القانوني في المجتمع يؤدى بدوره إلى تغيرات اجتماعية أبرزها التغيرات التي تطرأ على نسق القيم في المجتمع  . وفى ضوء الاهتمام بقوانين الأحوال الشخصية بشکل خاص وعلاقتها بالتغيرات في المجتمع ، فقد تم الاستفادة من بعض الدراسات [2] التي تناولت استخدام القانون کوسيلة لإحداث التغيير الاجتماعي على مستوى الأسرة وکفاءته في مواکبة التغيير الاجتماعي ، والعمل على حل المشکلات الاجتماعية التي تنشأ نتيجة لهذا التغير ، فقوانين الأحوال الشخصية على الرغم من التغيرات التي طرأت عليها إلا أنها مازالت في حاجة إلى بعض التعديلات من أجل تقنينها ومعالجة القصور القانونية بداخلها من أجل رفع کفاءتها في حل مشکلات قضاياها المختلفة . ومن هنا فقد تم الاستفادة من هذه الدراسات في التعرف على التغير الذي شهده المجتمع وما واکبه من تغير في أحوال الأسرة ومشکلاتها الاجتماعية وبالتالي التغير في قوانين الأحوال الشخصية ، ومع تأکيد الدراسات على مدى القصور في هذه القوانين ؛ فتسعى الدراسة إلى التعرف على أهم إشکالياتها وما تحتاج إليه من تعديلات من أجل النهوض بأحوال الأسرة اجتماعياً .
     وبذلک تتمثل الإشکالية في محاولة لفهم تطور قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التغيرات الاقتصادية والسياسية التي مر بها المجتمع المصري ، والتي تؤثر بشکل أو آخر في صدور قانون ما ، والتعرف على مدي مساهمة الحرکة النسائية في إحداث تغيرات لقوانين الأحوال الشخصية خلال الفترات المختلفة للمجتمع . وذلک من أجل معرفة أهم إشکاليات قضايا الأحوال الشخصية في المجتمع وتحتاج إلى إعادة النظر فيها . وبذلک تهدف الدراسة إلى:

التعرف على التغيرات الاجتماعية المختلفة التي مر بها المجتمع المصري والتي أدت بدورها إلى تغيير في قوانين الأحوال الشخصية .
التعرف على دور الحرکة النسائية في إحداث تغير لقوانين الأحوال الشخصية  .
التعرف على أهم إشکاليات قضايا الأحوال الشخصية .




[1] . من هذه الدراسات - البسيوني عبد الله البسيوني:(2002), صنع القانون ( دراسة في سوسيولوجيا القانون بالتطبيق على قانون الخصخصة ) کلية الآداب ، جامعة الزقازيق ,1997, منشور في مطبوعات مرکز البحوث والدراسات الاجتماعية , کلية الآداب , جامعة القاهرة .
- ثريا سيد عبد الجواد : (1991) , التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في مصر في فترة السبعينات وعلاقتها بالقانون ( دراسة في تحليل مضمون بعض القوانين ) , رسالة دکتوراه , کلية الآداب , جامعة عين شمس .
- حسام عبد المنعم : (2000) , الضبط الاجتماعي في قرية مصرية ( دراسة ميدانية ), رسالة ماجستير, کلية الآداب , جامعة الزقازيق ,1998, منشور في محمد الجوهري , الملخصات السوسيولوجية , مرکز البحوث والدراسات الاجتماعية , کلية الآداب جامعة القاهرة , المجلد العاشر .


[2] . من هذه الدراسات :- سهير لطفي وآخرون :(2000) , المشکلات الاجتماعية والقانونية في مجال الأحوال الشخصية , 1998, منشور في : سهير لطفي وآخرون , الأحوال الشخصية في مصر : دراسة في الأبعاد الاجتماعية والقانونية لقانون الأحوال الشخصية , المرکز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية .
- شيرين فکيه محمد: (2008) , التعديلات الجديدة في قانون الأحوال الشخصية وآثارها الاجتماعية : (دراسة ميدانية) بالترکيز على قانون الخلع , رسالة ماجستير, کلية الآداب , جامعة طنطا .
- هدى زکريا : (1997), القوى الاجتماعية وصياغة القوانين ( دراسة حالة قانون الأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979) , منشور في : مجلة کلية الآداب , جامعة الزقازيق , العدد 17 .
- يسرى القاضي :(2009)، قانون الأحوال الشخصية وعلاقته بالقوانين الأخرى المصرية : دراسة مقارنة , جمعية بدر الطويل لتنمية المجتمع المحلى , سوهاج .
- أحمد وهدان: (2000) , اتجاهات التغيير في تشريعات الأحوال الشخصية : دراسة في استخدام القانون لإحداث التغيير الاجتماعي 1998, منشور في : سهير لطفي وآخرون , الأحوال الشخصية في مصر : دراسة في الأبعاد الاجتماعية والقانونية لقانون الأحوال الشخصية , المرکز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية .
- جيهان محمود بدوي :(2010) , العلاقة بين التحولات الاجتماعية والثقافية وقضايا النوع للمرأة المصرية : دراسة حال لتطور قوانين الأحوال الشخصية في مصر, رسالة دکتوراه , کلية الآداب , جامعة المنصورة .
- Mulki Al-Sharmani: (2007) Recent Reforms in Personal Status Laws and Women’s Empowerment "Family Courts in Egypt ",  Social Research Center , The American University in Cairo .