ثقافة التظاهر في المجتمع المصري "دراسة تحليلية لأحداث ثورة 25 يناير الى 30يونيو 2013"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الاجتماع - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

شهدت بعض الدول العربية، ولا تزال، موجة عارمة من المظاهرات والاعتصامات منذ بدايات 2011، ، کانت مفاجئة من حيث التوقيت، ومختلفة من حيث مدى الاستمرارية، وتحولت في بعض الحالات إلى ثورات "کاملة"، أسقطت أنظمة سياسية. وفي حالات أخرى، لا تزال في الطريق إلى ذلک، رغم کل القمع الذي يجري بحق المشارکين فيها. وحتى الدول التي شهدت ثورات "کاملة"، مثل تونس ومصر وليبيا، لم يخل المشهد فيها من حالة المظاهرات والاعتصامات المستمرة، وهي حالة غابت عن العالم العربي لعقود طويلة، حيث لم يکن معهودا أن تخرج الشعوب العربية في مسيرات عارمة، تطالب بمطالب  سياسية وإجتماعية وأقتصادية.
     ورغم أن المظاهرات والإعتصامات تعد أحد أهم أشکال التعبير عن آراء الشارع ومطالبه، وربما تکون أکثرها مباشرة، فإنها من الظواهر الأقل دراسة. فهناک ندرة في الأدبيات العربية التي تتناول هذه الظاهرة بالتحليل، أو التي تناقش الأطر النظرية التي يمکن في ضوئها تحليل تأثير هذه الظاهرة في سياسات الدول.[1]
فأول ظهور لمفهوم الاعتصام أو التظاهر في منتصف القرن التاسع عشر،وکان أول من استعمل هذا المفهوم هو الکاتب الأمريکي ديفيد هنري ثورو، وقد بدأ الاهتمام بدراسة سلوک التظاهر والاعتصام في منتصف القرن العشرين،وذلک في إطار أدبيات الرأي العام التي تناقش ما اصطلح على تسميته بثقافة الاحتجاج الشعبي[2].
     وقد تسبب المظاهرة ازعاجا او اساءة للأشخاص المعارضين للأفکار أو الدوعاوى التى تسعى الى تعزيزها ، على انه يجب ان يستطيع المشارکون اقامة المظاهرة  بدون الخوف الى التعرض  للعنف المادى من جانب خصومهم ، ومن شأن هذا الخوف أن يعوق تکوين الجمعيات  أوغيرها من الجماعات التى تدعم الأفکار او المصالح المشترکة من التعبير بصراحة غن ارائهم فى القضايا المثيرة للجدل الشديد الذى يمس من المجتمع  ، ولذلک لايمکن اخن\تزال الحرية الحقيقة والفعالة فى التجمع السلمى الى مجرد واجب بعدم التدخل من جانب الدولة ، فتمتع السلطات المحلية والوطنية على السواء بسلطة السيطرة على المظاهرات لصالح استعادة النظام العام ويوجد لدى قوات الشرطة فى بعض البلدن الأوربية فرض شبه عسکرية متخصصة فى السيطرة على الشغب ، وهى فرق مدربة للتعامل مع المظاهرات[3].
     ووفقا لبعض النصوص فى القانون المنظم للمظاهرا ت فهل يملک الشعب هذه الثقافة  والوعى  باللوائح المنظمة للتعبير عن الرأى أم هناک ثقافة نتيجة السکوت والکبت تعبر عن الرأى بطرق أخرى سوف تکشف عنها الدراسة الراهنة من خلال تحليل طبيعة وأسباب المظاهرات, وطرق تنظيمها وأشکال التفاعل بين المتظاهرين للتعرف على ثقافة المصريين وطرق التعبير عن الراى وأساليب الاحتجاج وهل يملکون ثقافة للتظاهر توجه سلوکهم وأفعالهم ، أم يسلکون افعال عشوائية غير منظمة فى التعبير عن الرأى وذلک فى الفترة من 25يناير2011 الى 30يونيو 2013.
فثورة 25يناير من الأحداث الفارقة فى تاريخ الشعب المصرى التى لاتنسى لأنها نفضت عن کاهل الشعب المصرى المعادلة التى ظل خارجها تمام ، وهى معادلة السلطة طيلة تاريخه الطويل"وتمکن لأول مرة فى تاريخه من اسقاط حاکمه والمطالبة بحقوق المواطنة الکاملة ، من خلال ثورة شملت کل المصريين لايمکن أن ننسبها الى طيف واحد من أطياف الشعب المصرى ، لأن کل الشعب شارک فيها . سواء کانت هذه المشارکة فى الميادين أو الدعوة الى الخروج للثورة أو عبر مواقع التواصل الأجتماعى أو مجرد المتابعة لأحداثها لمدى الظلم والفساد والتعسف والتعنت والتعذيب والاستعباد والتهميش السياسى واستنزاف موارد البلاد وانتشار الغلاء والبطالة ، واهدار الحقوق فى الداخل والکرامة فى الخارج ، هذه السياسة المتبعة من النظام : تراکمت لسنوات طويلة مما أدت الى تشييد جدرا عزل الناس عن السياسة ، ولايوجد أحد من أفراد المجتمع ممنا شارک فى الثورة الاطاله شئ من قريب أو بعيد من جراء هذه الجرائم التى ارتکبها النظام فى حق الشعب المصرى منذ ثلاثين سنة .
وغنى عن البيان ان ثورة 25يناير هى الثورة الخامسة فى تاريخ مصر الحديث التى عبر فيها الشعب عن ارداته وحقه فى التغيير السياسى واسقاط شرعيته ، فثورة يناير تختلف عن الثورات السابقة مثل( تولى محمد على عام 1805م، واحمد عرابى 1881، وثورة 1919، وثورة23يويو1952) بأن هذه الإحداث وصفت بالثورة أو الهوجة أو الانتفاضة کما نجد ان کل هذه التوصيفات اعتمدت على التوجه الايديولوجى للنظم التى کانت تحکم مصر فى ذلک الوقتوقامت بقائد .[4]
فثورة 25يناير أهم مايميزها أنها قامت من غير قائد ، وقامت من خلال الدعوات من عبر مواقع التواصل الاجتماعى وتوحد الافکار والاراء التى تلاقت فى الفضاء المعلوماتى ، فالفضاء المعلوماتى ساعد على تخليق وعى کونى علمى مضاد للقهر والاستبداد والاعتداء على الکرامة الإنسانية ، وکانت النتيجة المنطقية اسقاط تلک النظم وتفکيکها لإعادة ترکيبها مرة أخرى ، بعد تحديد المکان والميعاد : فانطلق کالسهم الى الواقع المجتمعى . لذا من الصعب على النظام تحديد مصدر تحرک الثوار لانهم توافدوا من کل مکان فما کان عليه أن يواجه الثورة فى مکان واحد وهو الميادين التى تجمع فيها الثوار ولم ينجح النظام الذى کان يحکم البلاد من قبضة حديدية وکان يطارد کل من يفکر أن يثور ضده فى أن يخمد الثورة رغم محاولتهاليائسة  سواء کانت بالقوة ، أو التشکيک فى وطنية وانتماء الثوار وإثارة الفوضى وعدم الشعور بالأمن ، فظل شباب الثورة متماسکين حتى تمکنوا من إسقاطه.بفعل  قوى الاحتجاج التى  حاولت أن تعيد إنتاج الإجماع الشعبي من جديد
ويبدو أن دحض الفعل التواصلى اليومى  على حسب تعبير " هابرماس "  ( العلاقة مع العالم وادعاء المشروعية  ) يعمل على ايجاد الهوة بين الناس وبعضهم البعض ، وبينهم وبين المثقفين إلا انه يفرض وجود مجموعة من الحقائق لعل أهمها ، ان الذات باتت ذات علاقة وثيقة بوجودها المعاش, وتعالي المسئولية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية تجاه الوجود الاجتماعي ، ورفض الصمت ، وعدم الانصياع لخطاب الدولة في صورة احتجاجات ومظاهرات وأعتصامات[5]
فکثرة عدد المظاهرات خير دليل على أن مشاکل المجتمع المصري کثيرة  ومتنوعة ، وأن هناک حالة من عدم الاستقرار يعاني منها الشعب ، فالثورة في العادة تأخذ نفساً طويلاً حتى تستقر بها الأمور في تحويل المجتمع من نظام الي نظام ، وفي نقل الحياة الاجتماعية والسياسية إلي الحالة التي يمکن أن تتخلص فيها من کل الأوجاع التي کانت تثقل کاهلها من قبل والتي أشعلت في المجتمع شرارة الثورة . هذا فضلا عن  أن المسيرة الثورية تحاط بکثير من التحديات والمصاعب التي تقف حائلاً أمامها لتحقيق أهدافها وهي ما يسمى بالثورة المضادة ، والتي تظهر في کثير من أعمال العنف والبلطجة وتعطيل مناشط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ظل الانفلات الأخلاقي وغياب الأجهزة الأمنية .
-ومن هنا جاءت هذه الدراسة لرصد وتحليل ثقافة التظاهر لدى المصريين إبان ثورة 25 يناير2011 والى 30يونيو2013, بهدف التعرف على الأسباب والعوامل التي تدعو للتظاهر ، وما هي السلبيات والإيجابيات لهذه التظاهرات ، بالاضافة الى التعرف على مدى الوعي بمفهوم التظاهر وکيفية التنظيم له وما دور الفضاء الالکتروني في هذا التنظيم، وذلک من خلال عرض تاريخي للأحتجاجات والتظاهرات في المجتمع المصري .
    کخطوة على الطريق لتقديم رؤية تحليلية مستقبلية للوعي بثقافة التظاهر والحوار وکيفية التعبير عن الرأي بصورة حضارية في ظل استراتيجية التغيير .



[1]-أشرف عبد العزيز عبد القادر، المحتجون،: کيف تؤثر المظاهرات والأعتصامات فى سياسات الدول،السياسة الدولية ، الأهرام الاستراتيجى ، القاهرة ،متاح علىhttp://www.siyassa.org.eg/NewsQ/2092.aspx



2- Gareth Dale, "Protest Waves in Western Europe: a Critique of New Social Movement Theory", Critical Sociology, Vol. 24 Issue No. 1-2, April 1998, p.74


[3]-Robert Reiner, “Forces of Disorder: How the Police Control “Riots, 52 New Society (1980).p.p915-918                                                                                                                            


[4]- سعيد عکاشة ، قراءة فى ثورات المجتمع المصرى ، الاهرام، متاح على www://democracy.ahram.org.eg/archive/index.asp?curfn=roaa0.htm&DiD=10634


[5]- شحاتة صيام، ثقافة الاحتجاج من الصمت الى العصيان ، مصرالعربية للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2009، ص 10