منطق الجهة عند لوکاشيفتش Lukasiewicz's Modal Logic

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الفلسفة و المنطق - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

تبين للباحثين وجود بعض القضايا في الرياضيات وفي مجالات الأخرى، لا يمکن أن يقال عنها إنها صادقة أو کاذبة؛ ويرجع ذلک إما لاستحالة البرهنة علي صدقها أو کذبها، أو لأن التصريح بذلک قد يفضي إلى تناقضات في حالة تقرير إحدى هاتين القيمتين([1]). ولقد أجبر هذا المناطقة على إيجاد قيم أخري لبعض القضايا غير الصدق والکذب، فاتجه المناطقة إلى المفاهيم الموجهة مثل: الممکن Possible(*)، والمستحيل Impossible(**)، والمحتمل Contingent(***)، والضروري Necessary(****)، حيث تنسب مثل هذه القيم للقضايا التي ليست صادقة ولا کاذبة. من هنا نشأ " منطق الجهة " Modal Logic، أما في حالة توسع الجهة نفسها عن طريق إضافة مفاهيم أخري مثل مفهوم " لا معنى له" Senseless، ومفهوم" العبث" Absurd...إلي آخره. فإن فکرة المنطق المتعدد القيم Many Valued Logic([2]) تأخذ طريقها للظهور.
    وفي بحثه عن " فکرة الإمکان" التي عرضها في اجتماع الجمعية الفلسفية البولندية في لفوف في 5 يونيو 1920، يقول لوکاشيفتش- في مقدمة الجزء الخاص بالجهة - " يرجع أصل نسق منطق القضايا الثلاثية القيم إلى بعض التساؤلات حول ما يسمي " القضايا الموجهة Modal Propositions "، و مفاهيم الضرورة والإمکان التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بها([3])".
    يتضح لنا من خلال هذا النص أن الحافز وراء اهتمام لوکاشيفتش بالمنطق المتعدد القيم، هو الرغبة في التوصل إلى المنطق الذي يهتم بالجهةModality ، حيث إن کلاً من منطق الجهة والمنطق المتعدد القيم لا يتعامل مع قيمتي الصدق والکذب فقط، ولکن مع قيمة الممکن أيضاً([4])
     وفي البداية؛ لابد أن نوضح إن المشاکل الأساسية التي تناولها المنطق الموجه لا تختلف في جوهرها عن تلک الواردة في المنطق الکلاسيکي؛ إذ يحاول کلُ من المنطق الموجه والمنطق الکلاسيکي الإجابة عن السؤال نفسه: " هل القضية صادقة أم کاذبة ؟ "، فالإجابة عن هذا السؤال مختلفة، ففي المنطق الکلاسيکي القضايا إما صادقة أو کاذبة ولا توجد احتمالات آخري، أما في المنطق الموجه فهناک تعديل في الإجابة، فمن المعترف به، إن في المنطق الموجه قضايا صادقة بالضرورة necessarily true، وکذلک تلک التي ممکنة الصدقpossibly true، ومن ثم يمکن تصنيف القضايا وفقاً لأنماط مختلفة([5])
والواقع أننا اعتادنا على المنطق الأرسطي، ثم على منطق رسل الذي لا يسمح بأن نخرج عن النطاق الثنائي القيم، فلم نعرف سوي قيمتين للصدق وهما الصدق والکذب، وهذا لم يعد متوافقاً مع طبيعة المعرفة العلمية في وقتنا الراهن([6]). حيث يعتبر کلارنس لويس ClarenceLewis(*) (1883-1964) أن العيب الرئيسي في المنطق الثنائي القيم هو عدم جدواه في النواحي التطبيقية أو العملية، ومن ثم فإن البديل هو منطق الجهة([7]).
    إن أهم ما يميز منطق الجهات هو الکشف عن العديد من القيم بخلاف قيمتي الصدق والکذب، مما يجعله المنطق الملائم لطبيعة العلم المعاصر.
    وإذا کان لوکاشيفتش يؤکد أنه توصل إلى فکرة المنطق الثلاثي القيم من خلال دراسته للقضايا الموجهة عند أرسطو، فلابد إذن أن نتعرف أولاً على الأفکار الأساسية لمنطق الجهة کما نجده عند أرسطو، وبالتالي عرضاً لأهم جوانبه, حتى نستطيع أن نتعرف على تحليل لوکاشيفتش للموجهات في ضوء المنطق الثنائي القيم، وعلي أهم الإشکاليات التي نتجت عن تحليلها.



([1])ديمتريو، تاريخ المنطق (قراءات حول التطور المعاصر للمنطق الرياضي) ، الجزء الرابع، ترجمة  وتعليق و دراسة د.إسماعيل عبد العزيز، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997،ص129.
(*) الممکن هو الممکن باعتبار ما سيکون، وهو ما لم يحدث بعد إن کان من الممکن أن يحدث يوماً ما. (إسماعيل عبد العزيز، نظرية الموجهات المنطقية ( دراسة تحليله في منطق الجهة)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، بدون تاريخ، ص 11).
(**) المستحيل هو ما لا يمکن وجوده أبداً. المرجع السابق، الموضع نفسه.
(***) المحتمل هو الممکن باعتبار ما کان، نظراً لأن الشيء الذي حدث في الماضي کان يمکن أن لا يحدث. المرجع السابق، الموضع نفسه.
(****) الضروري هو ما لا يمکن أن يکون بخلاف ما هو کائن. المرجع السابق، الموضع نفسه.


([2])ديمتريو، تاريخ المنطق (قراءات حول التطور المعاصر للمنطق الرياضي)،  ص 130.


(3) Łukasiewicz, Jan,"Philosophical Remarks On Many -Valued System Of Propositional Logic", Form "Selected works", Edited by L. Borkowski, North-Holland Publishin Company, London, 1970, P.153.


(1) Zegarelli, Mark, "Logic for Dummies ", Wiley Publishing, Inc, the United States of America, 2007, P. 315.


(2) NA, Hwa -Sung Hsieh, " On Structural Analysis Of Many –Valued Logic ", University of Illinois, Michigan, Ph.D., 1964, P. 8.


)3) سهام النويهي، مدخل إلى منطق الجهة، دار المعرفة الجامعية للطباعة والنشر، القاهرة، بدون تاريخ ، ص4.
(*) لويس، کلارنس أرفنج: ولد في بوسطن بولاية ماساشوستس. کان أستاذا للفلسفة بجامعة هارفارد حتى تقاعد عام 1953. أسهم إسهامات جوهرية في المنطق الرياضي ونظرية المعرفة، وإنتاجه الرئيسي في المنطق هو حساب "اللزوم الدقيق"، وهذا هو أحد المذاهب الرمزية الناجحة الأولي في " منطق الجهة".  جوناثان ري و ج. أو. أرمسون، " الموسوعة الفلسفية المختصرة" ترجمة فؤاد کامل وجلال العشري وعبد الرشيد الصادق، مراجعة وإشراف زکي نجيب محمود، المرکز القومي للترجمة، القاهرة، 2013، ص 275.


)4) سهام النويهي، مدخل إلى منطق الجهة، ص 27.