أسس عقدية للأقليات الإسلامية في ضوء نصوص القرآن الکريم والسنة الشريفة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الدراسات الاسلامية - کلية التربية - جامعة الملک سعود

المستخلص

بدأ المسلمون الهجرة إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين ، بسبب ظروف شتى حلت بهم وببلادهم وتکوينهم بعد ذلک جالية کبيرة لها انتشارها وامتدادها، منبثقة عن تخطيط منهم أو من دولهم، بل کل ذلک نتيجة ظروف ألمت بهم أو نکبات حلت ببلادهم اضطر العديد من المهجرين قسرا والمبعدين من بلدانهم أو مواطن نشأتهم؛ لطلب اللجوء والمعيشة في دول الکفر، لِما يغلب على ظنهم من تحصيل ضالتهم، واستقرار في أوضاعهم، بل منحهم امتيازات وحقوق مفقودة في بلدانهم .
ومعلوم أن: الهجرة من دار الکفر إلى دار الإسلام مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرة المسلم على المحافظة وأداء شعائر دينه بأمان وعدم خشية الفتنة في دينه ودين أهله فإن کان لا يقدر على إظهار دينه ويخاف الفتنة والاضطهاد فيه أو في دين أسرته ففي هذه الحالة تجب عليه الهجرة متىاستطاع عليها بالإجماع.
قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِکَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ کُنتُمْ ۖ قَالُوا کُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَکُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِکَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
وفيي هذا البحث سأتناول أبرز الأسس العقدية والوسائل للمحافظة على العقيدة الإسلامية والتعايش في مجتمع غير مسلم .
هدف البحث :
1-              إبراز أهم الأسس والقواعد العقدية للحفاظ على العقيدة الإسلامية.
2-              إبراز رحمة الله بالخلق وعدم تعسيره عليه فأرض الله واسعة شرط الحفاظ على العقيدة الإسلامية.
منهج البحث :
استقرائي تحليلي لبعض نصوص القران الکريم والسنة وأقوال العلماء في ذلک .
خطة البحث  سيکون البحث في وثلاثة مباحث وخاتمة  :  
التمهيد ويشمل على :

·                  تعريف بالمصطلحات اللغوية المتعلقة بالدراسة (أقلية ، أسس ،قواعد)
·                  أهمية الحفاظ على العقيدة الإسلامية .

المبحث الأول : المخاطر التي تتهدد العقيدة بالنسبة للأقليات الإسلامية .
المبحث الثاني : أسس عقدية للمحافظة على العقيدة الإسلامية في ضوء نصوص القران الکريم والسنة.
المبحث الثالث : أساليب للحفاظ على العقيدة الإسلامية متعلقة بالأقليات الإسلامية.
الخاتمة : تشتمل على النتائج والتوصيات .

·                  تعريف بالمصطلحات اللغوية المتعلقة بالدراسة (أقلية ، أسس )

ترجع لفظة أقلية لغة إلى مادة قلل وبالرجوع لهذه المادة في المعاجم نجد أنها تنتظم ثلاثة معان: فمنها معنى القِلْة التي هي ضد الکثرة قال الله تعالى:" واذکروا إذ کنتم قليلا فکثرکم" قال في اللسان :" القِلْة خلاف الکثرة"، ومنها ذهاب البرکة قال أبو عبيد في تفسير قول ابن مسعود "الربا وأن کثر فهو إلى قُل" قال: هو وإن کثر فليست له برکة"وکذلک قال الزمخشري: " القُل والقِلة کالذُّل والذِّلة  يعني أنه ممحوق البرکة" وقال في اللسان  :" وفـي حديث ابن مسعود: الرِّبا، وإِن کَثُر، فهو إِلـى قُلَ؛ معناه إِلـى قِلَّة أَي أَنه وإِن کان زيادة فـي الـمال عاجلاً فإنه يَؤُول إِلـى النقص، کقوله: يمـحَق الله الرِّبا ويُرْبـي الصَّدَقات"
مصطلح الأقلّيات المسلمة                                              :
حينما يُطلق مصطلح الأقلّيات فإنّه يُراد به في الغالب المجموعات البشرية التي تعيش في مجتمع تکون فيه أقلّية من حيث العدد، وتکون مختصّة من بين سائر أفراد المجتمع الآخرين ببعض الخصوصيات الجامعة بينها، کأن تکون أقلّية عرقية، أو أقلّية ثقافية، أو أقلّية لغوية، أو أقلّية دينية، وإذن فإنّ هذا المصطلح يشير إلى عنصرين في تحقّق وصف الأقلّية هما: القلّة العددية لمجموعة ما تعيش في مجتمع أوسع، والتميّز دون سائر ذلک المجتمع بخصوصيات أصلية في الثقافة أو في العرق
وعرفت على أنها : "مجموعة من الأفراد  لهم صفة المواطنين في الدولة التي يعيشون فيها ولا يتمتعون بالهيمنة، وهم أقل عدداً من بقية السکان، تجمعهم روابط عرقية أو دينية أو لغوية، تميزهم من بقية المواطنين، ويعملون على الحفاظ على هذه الخصائص التي تجمعهم"
أما تعريف الأقلية المسلمة فاختلف فيه فقيل :"  کل مجموعة بشرية تعيش بين مجموعة أکبر منها، وتختلف عنها بکونها تنتمي إلى الإسلام ،وتحاول بکل جهدها الحفاظ عليه"
وقيل : " کل مجموعة من البشر تنتمي إلى الإسلام وتعيش بين مجموعة مختلفة عنها في الدين ولها السيادة عليها "

·                  مصطلح الأسس : الأُسُّ: أصل البِناء، وکذلک الأساسُ، والأَسَسُ مقصورٌ منه، والتَّأْسيسُ : بيانُ حُدودِ الدارِ ورَفعُ قواعِدها . قاله الليث . قيل : هو بِناءُ أَصلِها وقد أَسَّسَه وهذا تأْسيسٌ حسَنٌ

مُرتکز البناء وقاعدته :- انتهى العُمّال من وضع أساس المصنع ، وقيل : أصل الشَّيء ومبدؤه :- أساس الإنسان الطِّين ، - العائلة أساس المجتمع البشريّ وخليّته الأولى ، - المعاملة الحسنة أساس العلاقات الإنسانيّة الطيّبة .
والمقصود بها هنا : الأسس العقدية التي لابد من الحرص عليها للحفاظ على عقيدة الجاليات الإسلامية .

·                  أهمية الحفاظ على العقيدة الإسلامية

والمقصود بها عقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وليست عقيدة من خالفهم من أهل البدع من بين مشرق ومغرب، فهي عقيدة تمتد جذورها مع تاريخ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وينتهي تاريخ الأنبياء بمبعث الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالعقيدة والشريعة کاملة، وليبقى أتباعه إلى يوم القيامة على ذلک المنهاج القويم ، عقيدة قائمة على إخلاص العبادة لله الواحد القهار، تقوم على أساس توحيد العبادة، فأساسها: هو لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله ليست کلمة يقولها الإنسان بلسانه وفقط، عقيدة تنتقل إلى واقع عملي في حياته، ومن ثم فهي عقيدة تنبثق منها، شريعة شاملة ونظام حياة قال تعالى:} قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُکِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيکَ لَهُ وَبِذَلِکَ أُمِرْتُ{.
کما أن  أقوى مقومات العقيدة الإسلامية الايمان بالأمة الإسلامية ، والثقة فيها وهذا الإيمان لابد أن يستمد قوته من الإيمان بالله ، لأن الإيمان بالله هو الأصل، وهو الينبوع الذى ينبغي أن تًبنى عليه العقيدة، يؤمن الانسان بأمته، و يؤمن المسلم بأن أمته خير أمة أخرجت للناس ، وأنها مهما اختلطت بالحضارات الأخرى لابد أن تحافظ على هويتها وعقيدتها وتعتز بها .
وتوصلت الدراسة إلى:


1- الأقلّيات المسلمة هم جزء من الأمة الإسلامية ، والحفاظ عليهم من والذوبان وفقدان العقيدة الإسلامية هو حفاظ على جزء هام من هوية الأمة الإسلامية.
2- المسلم في المجتمعات الغير مسلمة يحتاج إلى أمرين: أولاهما: الإيمان بالله والاستقامة على ذلک، وثانيهما: الانتماء إلى أمة وجماعة .
3- لابد من العمل على مواجهة التحديات التي يحدثها سوء الفهم للإسلام.
4- البعد عن منهج الله سبب ضعف المسلمين وتجرؤ الأعداء عليهم وعلى شعائرهم ومقدساتهم.
5- دور العلماء في جمع الأمة الإسلامية ووحدة صفها ، کما للدعاة دور بارز في ذلک .
6- تکوين لجنة خبراء دائمة للأقليات الإسلامية تابعة للهيئات والمنظمات تساهم في إعداد المشـروعات والبحوث حول وضع الأقليات  الإسلامية مع طرح حلول لها .
7- التعاون مع المؤسسات المختصة في العالم الإسلامي في وضع خطة لمواجهة التحديات والمشکلات التي تعاني منها الأقليات الإسلامية .
8- لابد من وقوف الأمة الإسلامية لدعم العمل الإسلامي في الغرب وهذا سيجعل السلطات الحاکمة تقر أن وراء هذه الأقلّيات المسلمة دولا تهتم بهم وترعاهم .