جماليات الحذف ودلالاته في شعر صالح الشرنوبي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

في هذا البحث سوف أتعرض لتعريف الحذف لغويًّا واصطلاحًا، ولأنواعه وشروطه، وأغراضه الدلالية ، وقبل الشروع في هذه الدراسة لابد من الحديث عن طبيعة العلاقة بين النحو من جهة والدلالة من جهة ثانية، وعلاقة المعنى بالمبنى، وشکل الترکيب والترتيب في المعاني التي يضفيها، وذلک کالتالي:
الدلالة هي الغايات والمقاصد التي يريد المتکلم التعبير عنها، أما النحو فهو الأدوات والأساليب التي يستخدمها للتعبير عما يريده، ومن ثَمّ يمکن القول بأن طبيعة العلاقة بين الاثنين قائمة على التمازج، ولأن المعنى هو الأساس والغاية والنحو هو الوسيلة لأداء المعنى وإيضاح الغاية، ينبغي أن يکون النحو قرينًا وتابعًا للمعنى، " فلا نحو بغير معنى، وذلک لشدة ارتباط النحو بالمعنى ارتباطًا مباشرًا، حتى ليصعب على الدارس أن يفصم بين هذين الفرعين النحو والمعنى"، فبين الجانبين تاثير وتأثر متبادل، فإذا لم يهتم النحو بالمعنى فإنه يکون ناقصًا، وإذا انفصل عن الدلالة يکون شکليًا؛ لأن النحو يدرس الکلمة المؤلفة مع غيرها في ترکيب وليس يضيق بحدود الإعراب ومشکلاته.
ومن ثمّ يتضح لنا أنه " لابد أن يکون المعنى هو الموضوع الأخص للدراسة؛ لأن کل دراسة لغوية لا بد أن يکون موضوعها الأول  والأخير هو المعنى وکيفية ارتباطها بأشکال التعبير المختلفة، فالارتباط بين الشکل والوظيفة هو اللغة وهو العرف وهو صلة المبنى بالمعنى"وکما أن المعنى مطلب مهم للدراسات اللغوية، فکذلک اللغة التي يُعبّر بها عن المعنى لها أهميتها.
ولاشک أن النحو سيبقى هو المدخل الرئيسي والأهم في تحليل النص الشعري، فهو قوام النص وعموده، ويرى الدکتور محمد حماسة أن وصف النظام الترکيبي للشعر، أو تحديد البناء النحوي للجمل فيه مع ضرورته وشدة الحاجة إليه لا يمکن أن يتم دون أن يرتبط هذا بما تؤديه من دلالة، لأن عزل النظام النحوي عن الشعر لا معنى له.
والشعر من الفنون الأدبية المتميزة، لما له من نظام لغوي خاص فيه يحکمه الوزن القافية، والشاعر من أجل توصيل مُرادَه وتجربته الخاصة فإنه "يقوم بعدد من التجاوزات أو العدول عن المستوى المعيــاريّ أوالنموذجيّ للاستعمال اللغويّ
 وإلا لو حاولنا إعادة صياغة الشعر وفقًا لقواعد النحو دون حذف أو تکرار أو تقديم أو فصل، لفقد الشعر رونقه وجاذبيته.ولکن هذا لا يعني أن الشعر دائما يخالف القواعد، والشاعر يقصد إليها، وإنما يعني أن " هذه المخالفات تسبق  إلى خاطره فيبني عليها بيته أو جملته الشعرية، وتصبح هذه المخالفة جزءًا من بنية القصيدة، ويصبح تفسيرها من مهمة دارسي الشعر، ولا تجدي مساءلة الشاعر عنها شيئًا، ولا يصح الاکتفاء بوصفها بأنها خطأ لأن في مقدور الشاعر أن يأتي بترکيب آخر بديل، ولکنه يريد ما قاله، يهديه في ذلک حدسه الشعري وعرف الشعراء قبله."
ويحاول هذا البحث الکشف عن جانب التقاء النحو مع الدلالة في ديوان صالح الشرنوبي من خلال ظاهرة الحذف وهي إحدى العوارض المخالفة للقياس والترکيب الأصلي للجملة، وهنا يلعب النحو دورًا مهما في وصف النظام الترکيبي للديوان وبيان المعنى الدلالي لأبيات شعر صالح الشرنوبي،  عن طريق هذه الظاهرة بطريقة تُفسّر مدى ارتباطه بالسياق ودوره في بناء تراکيب الديوان وفهم دلالاته.


يخلص هذا البحث إلى النتائج التالية:
بدايةً، يمکن بصفة عامة القول بأن هذا العارض بأنماطه متفشي وکثير الورود في شعر الشاعر، تلک الکثرة التي تتجلى من خلال تعدد المباحث، وتنوع المسائل الفرعية داخل المباحث، وانتشار القضايا داخل تلک المباحث في مواضع متعددة، فلا يجوز الحذف جُزافًا أو دون قرينة تشعر بالمحذوف، وهي قاعدة مطّردة في جواز الحذف، وبذلک يتضح بان الحذف هو أداة إثارة لفضول المتلقي واهتماماته.

· يُلاحظ إسهاب الشاعر في بعض قضايا الحذف، مثل : اطراح العلامة الإعرابية، وحذف حرف النداء، وحذف رُبّ وحرف الجرّ وحرف الاستفهام، وحذف المبتدأ، وحذف عائد صلة الموصول، وحذف المفعول به، بينما يقل استخدام الشاعر في بعض صور الحذف، مثل :الوقوف على المنوّن المنصوب بحذف التنوين وسکون الآخر، وحذف حرف العطف وحذف واو الحال، حذف خبر (لا) المشبهة بـ(ليس)، وحذف الفعل، وحذف فعل الشرط بعد (إذا)، حذف 0هل) بعد (أم) للإضراب.
· من خلال أنواع الحذف الأربعة يتبين لنا أن مواضع حذف الأسماء والحروف تتفوق على مواضع حذف الأفعال، ويمکن تفسير قلة حذف الأفعال بأن الشعر له طبيعته التي تتسم بالحرکة، والفعل هو العمود الأساسي الدال عليه؛ فالأهم هو الترکيز على الحدث المستفاد من الفعل، لذا کانت حذف الأسماء والحروف لها النصيب الأوفر في شعر الشاعر، حيث تعددت قضاياه وتنوعت مباحثه. 
·        من حيث دلالات الحذف، فقد استخدم الشاعر صالح الشرنوبي الحذف لدلالتين :

- الأولى : معنوية ممثلة في الإيجاز وما ينطوي علي ذلک من دلالات فرعية تم التحدث فيها، وهي کالاهتمام، والتعظيم والتنويع ...، إلخ من الأغراض الدلالية التي تم استنباطها من صور الحذف المتعددة، إلا أنه في نهاية الأمر هو أن الإيجاز والاختصار هما الغرض الأساسي.
- الثانية: عروضية موسيقية متمثلة في حرف الروي وضبط الوزن والإيقاع الشعري حتى أن الشاعر في کثير من النماذج يکون الغرض الأصلي للحذف عنده هو الضبط الموسيقي ومراعاة الوزن وحرف الروي والقافية حيث صاروا لهم نصيب من المعنى، ومن ثمّ ذلک أسهم في تآزر النظام النحوي مع النسج الشعري.
-  وأخيرا، لم أتعرض للحذف الواجب في شعر صالح الشرنوبي، لأنه يسير وفق القواعد النحوية، التي ليس لها علاقة بالدلالة التي يختارها الشاعر.