مقاصد الشريعة في المعاملات عند الإمام أبي زهرة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية - کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

فإن من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم ديناً حنيفاً يقوم على رعاية مصالحهم في العاجل والآجل، وأن يضعه على نهج يحقق تلک المصالح بإرساء دعائمها وتثبيت أرکانها، وهذه حقيقة ثابتة من خلال الاستقراء والتتبع لکثير من النصوص التشريعية التي تبين العلاقة الوثقى بين الأحکام والحِکم، کما توضح أن الأحکام الفقهية ما هي إلا وسائل لتحقيق غايات عليا ومقاصد کبرى بجلب مصالح العباد ودفع المفاسد والشرور عنهم.
ومن هنا فإن إحياء فقه المقاصد هو عمل ضروري لتجديد الفقه وتقوية دوره ومکانته  ولذلک وصف بأنه : (( الفقه الحي الذي يدخل القلوب بغير استئذان )).
          ومن نظر في حال أقضية الصحابة فإنه يعرف يقيناً رسوخ المقاصد في أذهانهم وابتناء أحکامهم وفتاواهم عليها، قال الغزالي في وصفهم: ((هم قدوة الأمة في القياس، وعلم اعتمادهم على المصالح))..
وعلى ذلک سار التابعون وفقهاء الأمة الأوائل الذين فهموا مقاصد الشريعة.
وقد تعرض محمد الطاهر بن عاشور لأسباب انحطاط الفقه وتخلفه فعد منها ((إهمال النظر في مقاصد الشريعة من أحکامها)) ثم قال: ( کان إهمال المقاصد سبباً في جمود کبير للفقهاء ومعولاً لنقص أحکام نافعة.
والمتأمل في تاريخ الفقه الإسلامي يجد أنه قد ابتدأ في بداية عصور الصحابة والتابعين ومن بعدهم يوم أن کان الوحي والنبوة هما المشکاة في الأحکام والنوازل , وبعد ذلک مرت على الأمة عصور انحطاط وضعف ، انشغل الفقهاء فيها بالتعصب والتقليد لمذاهبهم دون إخراج جديد أو معالجة واقع أو متوقع في الحياة .
ولکن الله –عز وجل- قد تکفل لهذه الأمة من يجدد لها دينها ويضفي الجديد من المسائل والأحکام ويلفت أنظار فقهاء الأمة إلى الاجتهاد المقاصدي ونبذ الجمود والتقليد الذي استحکم بينهم.
وقد وقع اختياري لموضوع مقاصد الشريعة على علم من أعلام هذا الميدان وهو الإمام أبو زهرة الذي نقح وحور وأضاف وطور فصار صاحب فضل وسبق , وصاحب المکانة المرموقة في مسيرة علم أصول الفقه ومقاصده .
ولهذا الموضوع أهمية لا تخفى، والتي تتمثل في التعرف على مراحل نشأة وتطور علم المقاصد، ودور الإمام أبي زهرة  في ذلک، ومدى تأثّره  بمن سبقه وتأثيره فيمن لحقه،  فللموضوع أهميته الفقهية والتاريخية.
فجاء هذا البحث موسوماً بـ(( مقاصد الشريعة في فکر الإمام أبي زهرة )) .
ولذلک (( فإن علم المقاصد علم دقيق لا يخوض فيه إلا من لطف ذهنه واستقام فهمه)).
وإذا کان أمر مقاصد الشريعة بتلک الأهمية کان حرياً بکل باحث وطالب علم أن يخوض لججه ويستخرج نفائسه ، وهو ما دفعني 
.لاختيار هذا الموضوع 

من خلال هذه الرحلة العلمية المبارکة مع مقاصد الشريعة عند الإمام محمد أبو زهرة توصلت إلى عدة نتائج من أهمها :
1- أن عصر الإمام محمد أبو زهرة تميز بالنهضة العلمية الکبيرة ، وذلک بفضل حلقات العلم والکتاب والأزهر الشريف ، لما أولاه من أهمية قصوى للعلم وأهله ، ولما قامت به مصر من بناء المدارس النظامية في ربوع العالم الإسلامي .
2- أن الإمام محمد أبو زهرة قد حصّل علوماً ومعارف مختلفة منها ما تلقاه عن شيوخه من خلال حلقات العلم ، ومنها ما حصله عن طريق اجتهاده الشخصي في أوقات الفراغ.
3- الاعتراف بجهود الإمام محمد أبو زهرة ولفت الأنظار إلى جهوده العلمية ، خاصة علم المقاصد واهتمامه بهذا الأمر الذى مهد الطريق للذين جاءوا من بعده . 
4- تعد مقاصد الشريعة من أرکان أصول الفقه ، ومع کونه مبحثاً أصولياً إلا أنه يکاد يکون مفقوداً في کتب الأصول کمبحث مستقل قائم بذاته إلا من بعض الإشارات في مباحث العلة أو المناسبة أو الاستصلاح .
5- أن الإسلام يريد نظاما اقتصاديا عادلا حتى لا يطغى قوى على ضعيف ولا غنى على قفير ، وحتى لا يکون المال دولة بين الأغنياء فقط .
6- الاسلام منع الربا وحث على الإنتاج مباشرة فأمر بالإتجار في الأموال وإعمالها في کل الوسائل المنتجة .
7- العمل بمقاصد الشريعة يجعلها شريعة صالحة لکل زمان ومکان ، ومستوعبة لکل ما يستجد من وقائع ونوازل ، لاسيما وأن النصوص متناهية والحوادث والمستجدات غير متناهية.
8- أوصي بضرورة معرفة المقاصد عامة والمعاملات خاصة ، وإيضاحها في نسق عقلي، ومنهج علمي سليم ، وأن يجعل منها مادة تربوية علمية يربى عليها أبناء الأمة ، وتقام على أساسها کياناتهم النفسية وغذائهم الفکري .