الأفعال الکلامية دراسة لغوية في نماذج من خطب عصر بني أمية السياسية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية- کلية البنات - جامعة عين شمس

المستخلص

    إن التداولية تهتم بدراسة اللغة في الاستعمال، من خلال الطبقات المقامية التي ينجز فيها الخطاب، ومن أهم المفاهيم التداولية على الإطلاق، مفهوم الأفعال الکلامية التي تعد النواة المرکزية لکثير من البحوث التداولية، حيث تهتم الأفعال الکلامية بما يفعله المتکلمون باللغة من إنجاز وتأثير وتبليغ ومراعاة سياق الحال والغرض الذي يريده المتکلم من کلامه، وکذلک الفائدة التي يجنيها المخاطب من الخطاب، کذلک وعي العرب القدامى بمفهوم الأفعال الکلامية وضمنوها أبحاثهم من خلال نظرية الخبر والإنشاء.

الكلمات الرئيسية


مقدمة

     إن المتتبع للدراسات اللغویة من مهدها الأول مرورًا بالعصر الحدیث ثم المعاصر ، سیجد أن هناک طفرات کثیرة قد حدثت، فمحال أن نجد عالمًا أتى بدراسة أو نظریة استطاع أن یسد بها حاجة الدرس اللغوى من جمیع مناحیها، فکل دراسة إنما هى مکملة لسابقتها ومضیفة علیها ، ومن الدراسات التى أعتد بها فى الدرس اللغوى المعاصر ( التداولیة ).

     وقد تقدمت التداولیة ساحة الدراسات اللغویة؛ لأنها أوجدت حلًا للمسائل اللغویة التى عجزت النظریات الأخرى عن حلها، فاهتمت بالعملیة التواصلیة والاستعمالات المختلفة والسیاقات، والملقی والمتلقی، ویندرج تحت الدرس التداولی عدد لا بأس به من المفاهیم، کلأفعال الکلامیة والاستلزام الحواری والافتراض المسبق والإشاریات، وغیرها من المفاهیم الأخرى،  ویعد أبرز  هذه  المفاهیم على الإطلاق مفهوم الأفعال الکلامیة؛ إذ یعدالنواة أو البؤرة الرئیسة فی کثیر من الأعمال التداولیة. 

      وقد تناولت فی هذا البحث مقدمة  عرضت فیهاالدراسات السابقة، ثم المبحث الأول وهو وعی علماء العرب القدامى بمفهوم الأفعال الکلامیة ، وفی المبحث الثانی دراسة مفهوم الأفعال الکلامیة فی البحث اللغوی الغربی ، ثم المبحث الثالث قمت بعمل دراسة تطبیقیة عن طریق تخیر مجموعة من الخطب السیاسیة فی العصر الأموی، ثم خاتمة لهذا البحث بها أهم النتائج التی توصل إلیها البحث.

        وتعد الأفعال الکلامیة واحدة من أهم مجالات الدرس التداولى, کما أنها تحتل النصیب الأکبر لدى الباحثین الدارسین للتداولیة, هذا ویعد أوستین – الفیلسوف الذى اعتنى بدراسة اللغة الطبیعیة والذى کان متأثرًا بما جاء به فنجنشتاین- هو مؤسس الأفعال الکلامیة, حیث "أنکر أوستین أن تقتصر وظیفة اللغة على وصف وقائع العالم وصفًا یکون إما صادقًا وإما کاذبًا وأطلق علیه المغالطة الوصفیة, کأن یقول رجل لامرأته : أنت طالق, فإن النطق بهذا لا ینشئ قولًا, بل یؤدى فعلًا, فهى أفعال کلام، أو هى أفعال کلامیة "([1])

      ومن العلماء من یعدها نظریة مستقلة. وقد تعددت مسمیاتها نقلًا عن الترجمات والدراسات المختلفة، فأحیاناً نجدها موسومة ( بنظریة الأعمال اللغویة)([2])، وسمیت أیضا ( تداولیة الدرجة الثالثة)([3])، ومنهم من سماها (الأفعال الإنجازیة)([4]) والأفعال الکلامیة على اختلاف مسمیاتها فی الکتب والدراسات المتعددة، إلا أنه لیس هناک خلاف على أن الفیلسوف اللغوى البریطانى " أوستین" الرائد الأول للأفعال الکلامیة، وإن کان اکتشافه لها لم یأت بالطریق المباشر فقد کانت هناک مراحل، ودراسات سابقة، أدت إلى ظهورها بالشکل الذی هی علیه الآن، فکانت نشأتها الـأولى فلسفیة.

v     الدراسات السابقة:

1-     الأفعال الکلامیة فی القرآن (مقاربة تداولیة)- بوفرمة حکیمة-  بحث فی دوریة الخطاب- جامعة مولود معمری- الجزائر، دار الأمل للطباعة والنشر- العدد الثالث2008م.

2-    الأفعال الکلامیة فی سورة الکهف (دراسة  تدولیة)- رسالة ماجستیر، آمنة لعور- جامعة منتوری- قسنطینة- الجزائر 2011.

3-    الأفعال الکلامیة فی الخطاب النبوی(دراسة نحویة اتصالیة- الأربعون النوویة أنموذجا)- رسالة دکتوراه- مروة محمد محمد النشمی، کلیة دار العلوم، جامعة القاهرة 2016.

 المبحث الأول: ( الأفعال الکلامیة فی الفکر اللغوی العربی)

      إن المتمعن فی مؤلفات العرب الأوائل والمدقق فى قراءة نصوص تلک المؤلفات؛ سیجد أن هذه النصوص تحمل بین طیاتها الکثیر من العلوم کالنحو والفقه والبلاغة والمنطق وغیرها، فالمُؤَلَف الواحد یتسم بالموسوعیة, ودراسة المؤلفات الأولى بشکل واعٍ غیر متعسف سیجعلنا نؤصل الکثیر من النظریات والدراسات التى خرج  بها الغرب أمس والیوم، والأبحاث التى جاء بها علماء الغرب قد ضمنها العرب کتبهم ولکنهم لم یفصلوا فیها القول، أو یدرسوها بشکل مستقل.

    وإذا بحثنا عن الأفعال الکلامیة کمفهوم تداولی فى التراث العربى سنجد له جذورًا، وفى هذا الصدد یقول الدکتور محمود نحلة:" وهذه الأبحاث لیست منبتة الصلة عن التراث اللغوى العربى بل تقف منه على أرض ثابتة مفضلة أن تقرأه قراءة معاصرة تفید من اتجاهات الدرس الحدیث، ومناهجه وطرائقه فى رصد الظواهر اللغویة ومعالجتها على نحو مضبوط، یمکنها من الکشف عن ملامح نظریات عربیة الوجه واللسان موازیة لنظریات غربیة معاصرة, أو عن ظواهر لم یعرض لها علماء العربیة القدماء, ومن صدر عن منهجهم من المحدثین، أو عرضوا لها ولم یوفوها حقها من البحث الکاشف بها والمحیط بها، تجدیداً للنظر فى هذا التراث اللغوى القدیم, وکشفًا عن کنوزه المخبوءة، وبیانًا لعناصر القوة فیه, واصطلاحًا لما قد یکون فیه من جوانب النقص والقصور "([5])

       فالبحث التداولی وما یندرج تحته من مفاهیم، لیس منقطع الصلة عن التراث العربی، بل إنه وجد فی ثنایا کتب العرب الأوائل ، ولکنه لم یدرس بشکل مفصل أو  مستقل، وبالتالی لم یأخذ حقه من البحث والدراسة .

        والأفعال الکلامیة قد وجدت فی التراث العربی ضمن (نظریة الخبر والإنشاء )  "وعلیه فإن ظاهرة الأفعال الکلامیة قد بحثت فى تراثنا من قبل طوائف متعددة, غیر أن البحث فیها فى تضاعیف هذا التراث الضخم, لم یکن مقصوداً دائماً لذاته, ولکن کثیراً ما قصد به غیره, فاتخذت الظاهرة من ثم وسیلة لا غایة, وجعلت مدخلاً لفهم علوم أخرى"([6])

       وخلاصة ما قیل فی کون الأفعال الکلامیة من کون أصولها عربیة، نجد بالفعل أن لها جذورا فی کتب القدامى، ولکن لم یستوِ المفهوم على سوقه کما ظهر حدیثًا؛ لأن العرب لم یوجهوا عنایتهم لدراسة الأسالیب فی حد ذاتها دراسة مستقلة، بل إنهم کانوا یدرسونها لتفسیر ظواهر أخرى، فلو کانوا أولوها اهتمامهم ، وتناولها بالبحث المستفیض، ما استطاع قائل أن یقول إن أصول الأفعال الکلامیة غربیة.

       وفی التراث العربی نجد أن مفهوم الأفعال الکلامیة یندرج ضمن مباحث علم المعانی، الذی من خلاله یتم اختیار التراکیب اللغویة المناسبة لموقف ما  فیتم مراعاة أحوال المتکلمین، ومن خلال علم المعانی یتم إرشاد المتکلمین إلى جعل الصورة اللفظیة أقرب ما تکون دلالة على الفکرة التی تخطر فی أذهان المتلقین، وأنه على المتکلم أن یجعل لکل مقام مقال، فعلم المعانی هو: " تتبع خواص تراکیب الکلام، فی الإفادة وما یتصل بها من الاستحسان وغیره، لیحترز بالوقوف علیها من الخطأ فی تطبیق الکلام على ما یقتضی الحال ذکره"([7])

        ویوضح السکاکی معنى التعریف الذی وضعه فی تعریف علم المعانی، فبین أن المقصود من "خاصیة الترکیب" بأنها  ما یسبق منه إلى الفهم عند سماع ذلک الترکیب جاریًا مجرى اللازم له، لکونه صادرا من البلیغ، لا لنفس ذلک الترکیب من حیث هو هو، أو لازما له لما هو هو حینها([8] )، ثم یستطرد السکاکی فی شرح التعریف، ویوضح أن الفهم هو ما یتبادر إلى الذهن؛ أی ذهن السامع  عندما یسمع کلاما مثل عبارة :" زید منطلق " " زید یأکل" فالقصد هنا هو الإخبار عن حالة زید مثلا فیقول: " وأعنی بالفهم، فهم ذی الفطرة السلیمة، مثل ما یسبق عن فهمک من ترکیب: "إن زیدا منطلق " إذا سمعته عن العارف بصیاغة الکلام، من أن یکون مقصودا به نفی الشک، أو رد الإنکار، أو من ترکیب " زید منطلق" من أنه یلزم مجرد القصد إلى الإخبار أو من نحو منطلق بترک المسند إلیه، من أنه یلزم أن یکون المطلوب به  وجه الاختصار مع إفادة لطیفة مما یلوح بها مقامها "([9])

       ومقصد الکلام أن التراکیب تختلف معناها على حسب السیاقات المختلفة التی ترد فیها، وعلم المعانی عند السکاکی یهتم ویرکز على التراکیب التی لها دلالات مفیدة، سواء أکانت واضحة وجلیة أم ضمنیة ومستلزمة عن المعانی الحرفیة، وکل ذلک یفهم من المقام، وبحسب مقاصد المتکلمین، وهذا ما تقوم علیه التداولیات الحدیثة. 

        فبدراسة نظریة الخبر والإنشاء عند العرب؛ تتبین الأدوات المنهجیة لدراستهم مفهوم الأفعال الکلامیة، التی تندرج ضمن مباحث علم المعانی، فعلماء التراث من نحاة وبلاغیین وأصول قد وجهوا عنایتهم وجل اهتمامهم إلى التفریق بین الجمل الخبریة والإنشائیة، ولکنهم اختلفوا فیما بینهم فی التمییز بین الخبر والإنشاء

        ومن الکتب المهمة التی رجعت إلیها وتبین من خلال موضوعاته تضمنه لمفهوم الأفعال الکلامیة، هو( کتاب الصاحبی فی فقه اللغة وسنن العرب فی کلامها) حیث إن الکلام قد یخرج عن معناه الأصلی لیتضمن معنى آخر إضافی، أى أن الألفاظ تحمل أکثر من معنى، فالمعنى الأول أو الظاهر هو ما سماه (أوستین) رائد الأفعال الکلامیة بالفعل اللفظی، والمعنى الآخر الذی یکمن خلف المعنى الأصلی هو ما عرف عند (أوستین)بالفعل الإنجازی، فالأفعال الکلامیة تعرف بأنها: " کل ملفوظ ینهض على شکل دلالی إنجازی تأثیری" ([10])  ومن قضایا علم المعانی التی یخرج فیها اللفظ عن معناه الأول ویتضمن معانی أخرى، الخبر والإنشاء

        ولقد وعى ابن فارس کما وعى غیره من فحول کتاب، ومؤلفى التراث العربى بما جاء به المحدثون حینما تکلم عن( معانى الکلام ) ([11] )ومن معانى الکلام التى ذکرها، وخرج فیها اللفظ عن ظاهره إلى معانٍ أخرى: الخبر، والاستخبار.

أولا: الخبر:

     فالخبرعنده :"ما جاز تصدیق قائله، أو تکذیبه، وهوإفادة المخاطب أمرا فى ماض من زمان، أو مستقبل، أو دائم، نحو قولک: ( قام زید ) و(یقوم زید ) و(قائم زید)، ثم یکون واجبا، وجائزا، وممتنعا، فالواجب قولنا:(النار محرقة)، والجائز قولنا: (لقى زیدعمرا)، والممتنع قولنا: (حملت الجبل)"([12]) ومن هذا الحد للخبر عند ابن فارس یتضح، أن المعنى الظاهر عنده هو جواز تصدیق الخبر أو تکذیبه، دون أن یحترز شیئا فلم یقرن صدق الخبر بصدقه فى الواقع أو حتى على حسب اعتقاد المتکلم بصدقه، أوعدمه، وکذلک فى الخبر الکاذب، وقسمه لواجب وهو مالایستطیع عاقل أن یشک فیه أو یکذبه، مثل : (الشمس تشرق من المشرق) وهى ظاهرة کونیة وحقیقة لا یستطیع أحد أن یکذبها، وجائز، والجائز عنده: هو ما یجوز قبوله وتصدیقه،مثل: (قابل محمد علیا)، أما الخبر الممتنع عنده: هو مستحیل الحدوث لأنه مخالف للواقع ولا یقر به العقل، مثل:(حمل الرجل فى بطنه طفلا)

-         خروج الخبر عن ظاهر لفظه وتضمنه لمعانى مستلزمة فى (کتاب : الصاحبى لابن فارس) ومن هذه المعانى:

    وللخبر معانٍ أخرى یخرج بها عن ظاهر لفظه، وذکرها ابن فارس فى الصاحبى، ومنها:

1-    التعجب : نحو(ما أحسن زیدا ) فالمعنى اللفظى الظاهر –وذلک على حسب المذهب الذى ذهب إلیه ابن فارس فى تعریفه للخبر- أنه خبر جائز التصدیق، ومایستلزم عنه هذا المعنى، التعجب، وقرینة الحال فى هذه الجملة هى صیغة التعجب (ما أفعل ).

2-    التمنى: مثل (وددتک عندنا ) فالمعنى الظاهر،هو جواز تصدیق الخبر، أما المعنى المستلزم هو التمنى .

3-    الإنکار: مثل(ما له على حق) خبر یجوز فیه التصدیق، أو التکذیب، أما المعنى الخفى هو أن المخبر یرید أن ینکر على أحد ما المطالبة بحق ما.

4-    النفى: مثل:(لا بأس علیک)

5-    الأمر : یخرج الخبر عن ظاهره؛ لیستلزم معنى الأمر، کما فى قوله تعالى :

 " أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ "([13])

فظاهر الخبر هنا فى الآیة الکریمة یحمل معنى التصدیق؛ لأنه قول العلى القدیر، وکلام المولى تعالى واجب التصدیق، والخبر هنا یتضمن ویستلزم معنى الأمر" فهذا أمر من الله عز وجل للمطلقات المدخول بهن من ذوات الأقراء"([14] )

6-    النهى: قد یستلزم عن الخبر معنى النهى کما فى قوله تعالى:

"لا یمسه إلا المطهرون "([15]) النهى فى الآیة الکریمة طلب جاء على صیغة الخبر، وما جاء فى تفسیر الآیة الکریمة، یفید أیضا معنى النهى: "قیل : المقصود به الکتاب الذى فى السماء، وقیل: لایمسه عند الله إلا المطهرون، فأما فى الدنیا، فإنه یمسه المجوس النجس، والمنافق الرجس، وقیل أیضا: أن الذى لا یمسه أصحاب الذنوب، وقیل:  المطهرون من الجنابة والحدث، والمراد بالقرآن ها هنا المصف الشریف، وقیل أن رسول الله صلى الله علیه وسلم: نهى أن یسافر بالقرآن إلى أرض العدو؛ مخافة أن یناله العدو" .([16]).

        وبقى لنا أن نثبت إدراکه التام لخروج ألفاظ أخرى عن معناها؛ کى لا ینکر جاحد أو مدعٍ على علماء العربیة عدم معرفتهم  بما وصل إلیه المحدثون، فهذا محض افتراء، وما یزیدنا تأکیدا بوعى اللغوى ابن فارس بالأفعال الکلامیة هو: ما ذکره عن الاستخبار، وکذلک الأمر

2- ثانیا الاستخبار: المقصود به الاستفهام، فقد عرفه بقوله: "الاستخبارطلب خبرما لیس عند المستخبر، وهو الاستفهام"([17])

ومعنى ذلک أن الاستخبار هو طلب العلم بالشئ، وهنا یقصد به المعنى الظاهر للألفاظ ، وذکر ابن فارس أن الخبر قد یخرج عن معناه الظاهر ویتضمن معانى أخرى ومنها:

-         خروج الاستخبار عن ظاهر لفظه، وتضمنه معانى أخرى فى کتاب (الصاحبى : لابن فارس)، ومنها:

1-    التعجب : مثل قوله تعالى: "فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ "([18])

والمعنى الظاهر لقول الله تعالى: قصد به الاستخبار، وطلب العلم عن أصحاب المیمنة، وهم صنف من الأصناف الثلاثة، الذین أجملهم الله تعالى فى قوله: " وَکُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً"([19])،ثم فصل القول، وقال تعالى: "فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ"([20] والمعنى الظاهر الذى یستخبر عنه کما ورد فى التفسیر – والله أعلم- " أصحاب المیمنة: هم الذین خرجوا من شق آدم الأیمن، ویؤتون کتبهم بأیمانهم، وقیل: هم جمهور أهل الجنة، وأصحاب المشأمة: هم الذین خرجوا من شق آدم الأیسر، ویؤتون کتبهم بشمائلهم، وهم جمهور أهل النار- نعوذ بالله من صنیعهم-"([21])

أما المعنى المستلزم لقول الله عز وجل، هو: التعجب ودل علیه قرینة (ما أفعل التعجبیة).

2-    التفخیم: وذلک کما فى قول الله تعالى: " مَّاذَا یَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ "([22])

فالغرض المستلزم عن قول الله: - والله أعلم- التفخیم، أى : تفخیم أنواع العذاب والقرینة التى تفید ذلک، لفظة (منه) وفیها الهاء ضمیر یحیل على العذاب، والمراد أى نوع من أنواع العذاب تستعجلون؟ .

3-    التوبیخ: قد یستلزم عن الاستخبار معنى التوبیخ، کما فى قول العلى القدیر: "أَذْهَبْتُمْ طَیِّبَاتِکُمْ فِی حَیَاتِکُمُ الدُّنْیَا " ([23])

فالمعنى المستلزم عن قول العلى القدیر، هو التقریع والتوبیخ لهؤلاء الکافرین.

 

4-    التفجع: مثل قول الله عز وجل: " أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ "([24] )خرج الاستفهام عن دلالة الطلب، واستلزم دلالة أخرى، وهى التفجع، والهول مما سیلحق بالکافرین من عذاب؛ نتیجة ذنوبهم، فکتبهم أحصت لهم کل ذنب صغیر وکبیر، وکل عمل مهما صغر.

5-    التبکیت: مثل قول الله عز وجل: "أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ "([25] )هذا خطاب من رب العالمین لنبى الله عیسى علیه السلام، خرج فیه الاستخبار عن معنى الطلب، للتبکیت والتقریع، والتهدید لمن اتخذ عیسى علیه السلام، وأمه السیدة مریم إلهین من دون الله عز وجل، وما جاء فى تفسیر الآیة الکریمة، یؤکد هذا المعنى، والله أعلم : " هذا مما یخاطب الله تعالى عبده ورسوله عیسى ابن مریم علیة السلام، قائلا له یوم القیامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهین من دون الله، وهذا تهدید وتوبیخ وتقریع على رؤوس الأشهاد". [26]

6-    التقریر: معنى آخر من المعانى التى قد تستلزم عن الاستخبار، ومثله ما جاء فى قول الله تعالى: " وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَیَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن یُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ "[27] ورد هذا الاستخبار فى سیاق قول الله تعالى: "قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن یُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَىٰ مَن کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَٰئِکَ"[28]

ویفید معنى التقریر " ففى الآیة الکریمة: یخبر الله تعالى أنه استخرج ذریة آدم من أصلابهم، شاهدین على أنفسهم أن الله ربهم، وملیکهم، وأنه لا إله إلا هو، کما أنه تعالى فطرهم على ذلک، وجبلهم علیه" .[29]

فالله عزوجل یشهدهم، وهم یقرون بذلک، وقرینة الحال هى کلمة (بلى ).

 

7-    التسویة: مثلما جاء فى قوله تعالى: "وَمَا تِلْکَ بِیَمِینِکَ یَا مُوسَىٰ "[30] فهمزة الاستفهام خرجت من معنى الطلب لمعنى آخر متضمن فى الطلب، وهو معنى التسویة، فالکافرون الجاحدون الأمر عندهم سواء، فهم سیظلون على کفرهم سواء بإنذار، أو دون إنذار.

8-    الاسترشاد: جاء الاستفهام متضمنا معنى الاسترشاد، کما فى قول العلى القدیر:

 " وَکَم مِّن قَرْیَةٍ أَهْلَکْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَیَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ "[31]

وما جاء فى تفسیر قول الله تعالى فى الآیة السابقة یؤید هذا المعنى السابق" فقد ورد أن الله عز وجل أعلم ملائکته الکرام، أنه کان فى الأرض خلق أفسدوا فیها، وسفکوا الدماء"[32]

       والمعانی السالفة الذکر نوع من الأمثلة التى ذکرها ابن فارس فى کتابه الصاحبی، استدل بها على خروج الاستخبار عن معناه الأصلى لیتضمن معان أخرى، أما فى هذا الموضع من هذا البحث إثبات وعی علماء العرب القدامى بالنظریات الحدیثة.

المبحث الثانی: الأفعال الکلامیة من المنظور اللغوی الغربی

        إن الأفعال الکلامیة فی الدراسات الغربیة، نجدها مرت بمرحلتین، المرحلة الأولى هی مرحلة التأسیس والنشأة عند " أوستین" والمرحلة التانیة هی مرحلة النضج والاکتمال، ویعود الفضل فیها " لسیرل" تلمیذ " أوستین".

1/ مرحلة التأسیس والنشأة

         للدرس التداولى مصادر عدیدة، فلکل مفهوم من مفاهیم التداولیة المختلفة حقل معرفى استمد منه مادته العلمیة، والأفعال الکلامیة جذورها الأولى فلسفیة، فقد انبثقت من مناخ فلسفى هو الفلسفة التحلیلیة.

    والفلاسفة المعنیون باللغة أمثال " رسل وفتجنشتاین" هما اللذان أثرا فی أوستین،  بسبب المبادئ التی تبنوها، " حیث کانوا یسعون لإیجاد لغة مثالیة تتجنب کل عیوب اللغة العادیة، فتکون أکثر ملاءمة  للفکر الفلسفی" ([33]).

    وسبب بحث هؤلاء الفلاسفة عن لغة تناسب فکرهم الفلسفی، أن اللغة لیست وصفیة تقریریة فحسب، تستخدم لوصف وقائع العالم وصفاً إما یکون الحکم علیه بالصدق أو الکذب، فاللغة تتعدد وظائفها وخصائصها، وکذلک تتعدد معانیها بحسب السیاقات المختلفة التی ترد فیها.

    وکان فلاسفة الوضعیة المنطقیة یرون اللغة وسیلة لوصف الوقائع الموجودة فی العالم الخارجی بعبارات إخباریة ثم یکون الحکم بعد ذلک على هذه العبارات بالصدق إن طابقت الواقع وبالکذب إن لم تطابقه.

   وهذا ما رفضه أوستین فی قصر اللغة على مثل هذه العبارات الإخباریة " أما الفلاسفة فلطالما توهموا حینما افترضوا أن شأن الحکم فی القضیة إما أن یصف حالة شیء ما، وإما أن یثبت واقعة عینیة، مما یعنى أن الحکم القضیة إما أن یکون صادقاً أو کاذباً"([34]).

   وما قدمه أوستین لنظریة الأفعال الکلامیة یتضح من خلال تمییزه بین نوعین من الأفعال التی رفض أن تکون اللغة مقصورة علیها، وهی:

 (أ)- أفعال إخباریة: وهى أفعال تصف وقائع العالم الخارجی، وتکون صادقة أو کاذبة.

(ب)- أفعال أدائیة: تنجز بها فی ظروف ملائمة أو تؤدى، ولا توصف بصدق ولا کذب، بل تکون موفقة أو غیر موفقة، ویدخل فیها التسمیة والوصیة، والاعتذار، والرهان، والنصح، والوعد([35]).

والأفعال الأدائیة عند أوستین لها شروط هی:

1/ شروط الملاءمة : وهذه الشروط إذا تحققت أدت إلى نجاح الفعل الأدائى وإذا لم تتحقق أدت إلى إخفاقه.

2/ شروط قیاسیة: ولیست لازمة لأداء الفعل ولکنها لازمة لأدائه أداءً موفقًا غیر معیب، وإذا لم تتحقق، کان فی ذلک إساءة أداء للفعل.

     إن تقسیم أوستین الأفعال إلى إخباریة وأدائیة، ووضع شروط لهذه الأفعال، أمر غیر حاسم، لأن کثیرًا من الأفعال الإخباریة تخرج من دائرة الإخبار إلى الأداء، وإن الکثیر من الأفعال الأدائیة التی تنطبق علیها الشروط التی وصفها تکون غیر أدائیة، " وهذا ما جعل أوستین ینتقل إلى مرحلة رکز فیها بشکل دقیق على المقصود من القول، فحین أتلفظ بکلام ما أنجز فعلاً معیناً، ومن ثم فإن المتلفظ بأیة جملة تنتمی إلى لغة طبیعیة معینة یقوم  بأصناف ثلاثة من الأفعال اللغویة"([36]) .

1/ الفعل اللفظى أو فعل القول:

 وهو یتألف من أصوات لغویة تنتظم فی ترکیب نحوى صحیح ینتج عنه معنى محدد، وهو المعنى الأصلى، وله مرجع یحیل إلیه.

2/ الفعل الإنجازى: وهو ما یؤدیه الفعل اللفظى من معنى إضافى یکمن خلف المعنى الأصلى.

3/ الفعل التأثیرى: ویقصد به الأثر الذی یحدثه الفعل الإنجازى فی السامع([37]).

       إن الفعل الأساسى الذی لا یتم الکلام إلا به هو الفعل اللفظى، أو المعنى الأول ففعل القول یرتبط بصمیم اللغة، والفعل الإنجازى هو أهم الأفعال عنده فهو أساس نظریة الأفعال الکلامیة، وأسباب تسمیة بعض الدراسین لنظریة الأفعال الکلامیة بالنظریة الإنجازیة لترکیز أوستین على الفعل الإنجازى دون غیره من الأفعال اللغویة والتأثیریة.

v     وقدم أوستین تصنیفا آخر للأفعال یشتمل على خمسة أصناف هی:

1/ الحکمیة: وتقوم على الإعلان عن حکم تأسیس على بداهة، أو أسباب وجیهة تتعلق بقیمة أو حدث، مثل إخلاء الذمة، مثل وصف، قدر، صنف.

2/ التمرسیة: وتقوم على إصدار قرار فیه صالح للمتکلم، مثل أمر، قاد، ترجى، طلب.

3/ التکلیف: ویلزم المتکلم بأفعال محددة مثل وعد، تمنى، أقسم.

4/ العرضیة: وتستعمل لعرض مفاهیم، وبسط موضوع، وتوضیح استعمال کلمات مثل أکد وأنکر، وأجاب، ووهب.

4/ السلوکیات: ویتعلق الأمر بردود أفعال تجاه سلوک الآخرین، وتجاه الأحداث المرتبطة بهم، مثل الاعتذار، والشکر، والتعزیة، والمبارکة([38]).

        هذا یعد خلاصة ما توصل إلیه أوستین فی نظریة الأفعال الکلامیة، وعلى الرغم من أنه غیر کاف لوضع أسس لنظریة متکاملة، إلا أنه جهد مشکور لعالم أتى بعده تلامیذه لیکملوا من حیث انتهى، حیث انطلق سیرل لوضع الأسس المنهجیة والمعاییر التی اکتملت بها نظریة الأفعال الکلامیة واستوت على سوقها کما هی فی الدرس اللغوى المعاصر.

2/ مرحلة النضج والاکتمال عند سیرل

     إن ما جاء به أوستین من دراسات حول الأفعال الکلامیة، لم یکن کافیاً لبناء نظریة کاملة، حیث إنه لم یبنِ ما جاء به على أصول وقواعد واضحة، فاختلطت عنده الأمور، ولم یکن راضیًا عن تقسیماته للفعل الکلامى، وهذه هی البدایات دائماً قد یصیبها القصور والنقص فی بعض الجوانب.

    وتعد دراسة سیرل للأفعال الکلامیة أکثر دقة، وذلک نظرًا لما أسهم به، من إضافات وتعدیلات تتمثل فیما یأتى:

أ/ إن أول ما فعله سیرل : تحلیل الفعل الکلامی إلى قوة متضمنة فی القول، ومحتوى قضوى([39])، وهذا ما تمیز به عن أوستین الذی فصل فعل القول عن الفعل المتضمن فی القول، حیث یرى سیرل أن فعل القول مغایر للمحتوى القضوى ففصلها ضرورة، وأصبح الفعل الکلامى عبارة عن أربعة أفعال، أبقى على اثنین مما جاء به أوستین وهما ( الفعل التأثیرى، والفعل الإنجازى) وأضاف سیرل فعلین هما فعل القول، والفعل القضوى، والـأخیر لا ینفصل عن فعل القول بما یأتى معه فی ترکیب واحد، وهو یشمل المتحدث عنه، أو المرجع، والمتحدث به، أو الخبر([40]).

ب/ الفعل الکلامى عند سیرل غیر مقصور على مراد المتکلم بل یعد أوسع من ذلک بکثیر، فهو عند سیرل  مرتبط أیضا بالعرف اللغوى والاجتماعى.

ج/ جعل سیرل شروط الملاءمة أربعة إذا تحققت هذه الشروط کان الفعل الکلامى موفقاً. وقام سیرل بتطبیق هذه الشروط مجموعة من الأفعال، منها أفعال الرجاء، والإخبار، والتهنئة والاستفهام، والشکر، و من هذه الشروط:

1-     شروط المحتوى القضوى

2-     الشرط التمهیدى

3-     شرط الإخلاص

4-     الشرط الأساسی([41]).

د/ أعاد سیرل النظر فی تصنیف أوستین للأفعال الکلامیة، وقد جعلها سیرل خمسة أصناف منها:

1-     الإخباریات:

غرضها الإنجازى هو نقل المتکلم واقعة من خلال قضیة یعبر بها عن هذه الواقعة، وأفعال هذا الصنف تحتمل الصدق والکذب، واتجاه المطابقة فیها من الکلمات إلى العالم، ویتضمن هذا الصنف معظم أفعال الإیضاح عند أوستین([42]).

2-     التوجیهات ( الأمریات أو الطلبیات)

وغرضها الإنجازى محاولة المتکلم توجیه المخاطب إلى فعل شیء ما، واتجاه المطابقة فیها من العالم إلى الکلمات، وشروط الإخلاص فیها یتمثل فی الإرادة أو الرغبة الصادقة، والمحتوى القضوى فیها دائمًا فعل السامع شیئًا فی المستقبل ویدخل فی هذا الصنف الاستفهام، والأمر، والرجاء والاستعطاف، والتشجیع وکثیراً من أفعال القرارات عند أوستین تدخل فی هذا الصنف([43]).

3-     الوعدیات ( الالتزامیات)

وغرضها الإنجازى هو التزام المتکلم بفعل شیء ما فی المستقبل، واتجاه المطابقة فیها من العالم إلى الکلمات، وشرط الإخلاص هو القصد، والمحتوى القضوى فیها دائماً فعل المتکلم شیئاً فی المستقبل، والمسئول عن إحداث المطابقة هو المتکلم، والشروط المعدة هو قدرة المتکلم على أداء ما یلزم به نفسه([44]).

4-     التعبیریات:

وغرضها الإنجازى هو التعبیر عن الموقف النفسى، حیال الواقعة التی تعبر عنها القضیة، ولیس لهذا الصنف إتجاه مطابقة، فالمتکلم لا یحاول أن یجعل الکلمات تطابق العالم الخارجی، ولا العالم الخارجی یطابق الکلمات، وکل ما هو مطلوب الإخلاص فی التعبیر عن القضیة، ویدخل فی هذا الصنف أفعال الشکر، والتهیئة، والاعتذار، والتعزیة، والترحیب([45]).

5-    الإعلانیات

والغرض منها إحداث تغییر فی العالم، بحیث یطابق العالم المحتوى القضوى بمجرد الإنشاء الناجح لفعل الکلام، فإذا أدیت فعل إعلان الحرب أداء ناجحاً فالحرب معلنه، وأهم ما یمیز هذا الصنف أنها تحدث تغییراً فی الوضع القائم فضلاً عن أنها تقضى عرفاً غیر لغوى، واتجاه المطابقة فیه قد یکون من الکلمات إلى العالم، ومن العالم إلى الکلمات، وهذا ما یسمیه سیرل الاتجاه المزدوج([46]).

v    التمییز بین الأفعال الإنجازیة المباشرة وغیر المباشرة

       فی الأشیاء المهمة فی مرحلة النضج والاکتمال، والتى لابد من الإشارة إلیها تمییز سیرل بین الأفعال الإنجازیة المباشرة، وغیر المباشرة.

   إن تمییز سیرل بین الأفعال الإنجازیة المباشرة وغیر المباشرة، مرحلة تالیة لما جاء به أستاذه أوستین والذی قسم الفعل إلى صریح وأولی حین قال فی محاضراته:

" فلتسمحوا لى بأن أتوقف لحظة حتى نمعن النظر قلیلاً فی هذا الترکیب " الصیغة الإنشائیة الصریحة، لمقابلته بترکیب آخر، وهو الصیغة الإنشائیة الأصلیة أو الأولیة مثل قولنا ( سأکون هناک)، والصیغة الإنشائیة الصریحة مثل : ( أعدک بأننى سأکون هناک)، یمکن ملاحظة أن المثال الأول یستوعب أکثر من احتمال حول دلالته، والمثال الثانى صریح فی دلالته على الوعد، مع ضعف قبول احتماله لدلالات أخرى([47]).

     من خلال کلام أوستین نفسه یلاحظ أن الفعل المباشر عنده هو الفعل الذی لیس له إلا دلالة واحدة ودلالته على الشیء صریحة ومباشرة، فی المقابل یکون الفعل غیر المباشر، هو الذی یحتمل فی مضمونه أکثر من معنى.

          إن الأمر مختلف عند سیرل، حیث إن الأفعال الإنجازیة المباشرة عنده "هی التی تطابق قوتها الإنجازیة مراد المتکلم، فیکون معنى ما ینطقه مطابقاً تامة وحرفیة لما یرید أن یقول، وهو یتمثل فی معانى الکلمات التی تتکون منها الجملة، وقواعد التألیف التی تنتظم بها الکلمات فی الجملة، ویستطیع السامع أن یصل إلى مراد المتکلم بإدراکه لهذین العنصرین معاً"([48]).

   ومعنى ذلک أن یکون الکلام واضحاً وضوحاً تاماً ولا یحتمل أی معان إضافیة أخرى فالکلام یکون محدوداً یخرج من فم المتکلم لیحدث نفس الأثر الذی یریده المتکلم فی المتلقى أو المستمع.

        وقد یخرج الکلام عن السیاق وعن المقتضى المطلوب إلى أغراض ومعانٍ أخرى أو أن المتکلم یعنى أکثر مما ینطق به، وهذا ما یقصد به الفعل الإنجازى غیر المباشر، " ویعد من الإشکالیات المرکزیة فی تداولیة أفعال الکلام، وجوهر هذه الإشکالیة المسافة بین القول والمقصد وطبقات المعنى المتعددة بین معنى قضوى حرفى والفعل الذی ینجزه المتکلم فی السیاق، فالمتکلم لا یقول ما یعنیه فی کل مناسبات المنطوق عن نحو مباشر"([49]).

  ویتضح مما ذکره علماؤنا المحدثون فی تحلیلهم للأفعال الإنجازیة غیر المباشرة، أنها دائما غیر مقصورة على معنى واحد، فالمتکلم بهذا النوع من الأفعال یقول قولاً ویعنى شیئاً آخر ثم کیف یکون ممکناً أن یسمع المخاطب شیئاً له معنى ویفهم منه معنى آخر.

     ولقد جعل الدکتور "محمد العبد" العرف اعتباراً تداولیاً فی کتابه ( النص والخطاب والاتصال) وبناء على العرف الموجود فی بیئة لغویة معینة سوف یحدد الفعل الکلامى ما إذا کان مباشراً أو غیر مباشر، فالاستفهام مثلاً فی قولنا : هل یمکنک أن تفتح الباب؟ قد یکون فعلاً کلامیاً مباشراً للسؤال, وقد یکون أیضا فعلاً کلامیًا غیر مباشر إذا اعتبرنا هذا الاستفهام طلباً لفتح الباب([50]).

  فی المقابل نجد أن الدکتور "محمود نحلة" قد ذکر أیضاً بعض الضوابط للتمییز بین الأفعال المباشرة وغیر المباشرة، وهذه الفروق هی

1/ " أن القوة الإنجازیة للأفعال المباشرة تظل ملازمة لها فی مختلف المقامات أما الأفعال الإنجازیة غیر الحرفیة فموکولة إلى المقام لا تظهر قوتها الإنجازیة إلا فیه"([51]).

      وهذا أمر واضح لا نقاش فیه حیث إن الأفعال الإنجازیة المباشرة تکون لها قوة إنجازیة واحدة، لأنها لا تحتمل إلا معنى واحد، ولا تتغیر بتغیر السیاقات المختلفة للکلام، وعلى العکس القوة الإنجازیة للأفعال الغیر مباشرة تتعدد بتعدد المقامات المختلفة التی یرد فیها هذا الفعل غیر المباشر، فالقوة الإنجازیة تتنوع نظراً لتنوع المعنى ذاته.

2/ أن القوة الإنجازیة للأفعال غیر المباشرة یجوز أن تلغى، فإذا قال لک صاحبک أتذهب معی إلى المکتبة؟ قد تلغى القوة الإنجازیة غیر المباشرة، وهى الطلب لیقتصر الفعل على قوته الإنجازیة المباشرة، وهى الاستفهام.

   وفى رأى الباحثة أن هذا الکلام معناه أنه لا یجوز أن یتحول الفعل الکلامی غیر المباشر إلى فعل کلامى مباشر.

3/ أن القوة الإنجازیة غیر المباشرة لا یتوصل إلیها إلا عبر عملیات ذهنیة استدلالیة تتفاوت من حیث البساطة والتعقید، أما القوة الإنجازیة المباشرة فتؤخذ مباشرة من ترکیب العبارة نفسها([52]).

        ولذلک فإن مقصد هذا الکلام أن الأفعال غیر المباشرة تحتاج إلى إعمال العقل، کی یتدبر المتلقی المعنى الذی یقصده الملقى علیه، ولیس شرطاً أن المعنى المقصود معقداً، ولکن المعانى تتنوع بین البساطة والتعقید حسب الفعل نفسه، وعلى النقیض فإن الأفعال الکلامیة المباشرة دلالاتها المباشرة لا تحتاج إلى تأویلات لأن المعنى فیها یکون جلیاً.

       هذه تعد إنجازات الفیلسوف اللغوى سیرل فی  مجال الأفعال الکلامیة فقد أضاف إلیها الکثیر، ومهد أیضاً لظهور مفهوم تداولى آخر، أصبح الآن یدرس بشکل مستقل فی الدرس التداولى المعاصر، ألا وهو الاستلزام الحوارى، والاستلزام الحوارى عند سیرل هو مفهوم مرادف للأفعال الکلامیة غیر المباشرة، ومثال ذلک إذا طلب أحد من صدیق له الحضور إلیه فی موعد ما، وکان رد صدیقه علیه أن لدیه امتحان فی هذا الموعد الذی یرغب فی أن یحضر له فیه، فالفعل المباشر هو الطلب أو الأمر والفعل غیر المباشر هو الاعتذار.

 

        المبحث الثالث الجانب التطبیقی فی خطب عصر بنی أمیة السیاسیة.

                 خطبة معاویة بن أبى سفیان بالمدینة عام الجماعة([53])

1ـ الظروف السیاسیة العامة التى تولى فیها معاویة:

      عندما قتل خلیفة المسلمین الثالث عثمان بن عفان رضى الله عنه، وکان معاویة فى هذا الوقت والیاً على الشام، فأرسلت زوجة عثمان (نائلة بنت الفرافصة) إلى معاویة کتاباً تسرد له فیه ما حدث وبعثت بقمیص عثمان وعلیه دمه، فقال ابن عباس لعلى رضى الله عنه: اکتب إلى معاویة فأقَّره على الشام، وأطعمه یکفک نفسه وناحیته، فإذا بایع لک الناس أقررته أو عزلته، فقال على: إنه لا یرضى حتى أعطیه عهد الله ومیثاقه أن لا أعزله،  فکان معاویة فى هذا الحین یطیف بقمیص عثمان فى أنحاء الشام ویحرضهم على الطلب بدمه، ورفض معاویة مبایعته، وقد أرسل على جریراً إلى معاویة، فکلمه وعظم علیاً فأبى أن یبایع، وقام أهل الشام بمبایعة معاویة، وکان معاویة یبعث أعوانه، فیقتلون من کان فى طاعة علی، أو من أعان على قتل عثمان، ثم بعد ذلک استشهد على رضى الله عنه([54]).

    ودخلت سنة أربعین وفیها بویع للحسن بن على علیه السلام بالخلافه، واستخلف أهل العراق الحسن بن على علیه السلام على الخلافة، وکان الحسن لا یرید القتال، ولکنه یرید أن یأخذ لنفسه ما استطاع من معاویة، وقد أشاع معاویة فى أهل الکوفة إن قیس بن سعد قُتل وتفرق الناس وانقضوا على الحسن وسرقوا متاعه وأمواله، وبایعوا معاویة، ودخلوا فى طاعته، ولما رأى الحسن تفرق الأمر عنه طلب الصلح من معاویه، أى أنه بعث إلیه یطلب الصلح والأمان، ودخلت سنة إحدى وأربعین وقام الحسن بن على بتسلیم الأمر إلى معاویة ودخل معاویة الکوفة([55]). "وبایعه الحسن بن على، وسُمى عام الجماعة"([56]).

2ـ  مضمون الخطبة والسیاق العام لها:

"لقد أوصى الإمام الشهید على بن أبى طالب ابنه الحسن بالخلافه، وخطب الحسن فى مسجد الکوفة، وبایعه أهل الکوفة والبصرة والمدائن والحجاز"([57]).

      حینما علم معاویة بهذا الأمر، أن الحسن سیتولى الخلافه استشاط غضباً، فقد کان یرى فى نفسه الخلیفه الراشد الذى سیسیر بین المسلمین کأبى بکر وعمر وعثمان، وأنه الوحید الذى یستطیع الانتقام من قتلة عثمان بن عفان.

      فحدثت فتنة بین المسلمین وانقسموا ما بین مؤید للحسن وآخر مؤید لمعاویة، ولما رأى الحسن رضى الله عنه وعن أبیه أن تنازله عن الخلافة لمعاویة فیه صلاح للمسلمین تنازل لمعاویة، وبذا یکون قد بدأ عهد الدولة الأمویة، وکان ذلک فى سنة إحدى وأربعین للهجرة، وحینما تولى معاویة قدم إلى المدینة واستقبله نفر من قریش ودعوا له بالعزة وعلو المکانة، فلم یرد على أحد، وصعد المنبر وخطب فیهم وقال: إنه سلک لهم طرق النفع، وإن لم یکن أحسنهم خُلقاً ودیناً، فهو أنفعهم لولایة أمورهم فلا یعتدی على أحد دون وجه حق، فیسالم من سالموه، ویحارب من حاربوه، ولا یحتاج من کلامهم إلا القول النافع، أما غیر ذلک فلا یلقى له بالاً، ولا یهتم بکلام لیس فیه فائدة فسیعرض عنه کأنه لم یسمعه، ودعاهم إلى الصبر علیه، فإنه إن لم یستطع أخذ الحقوق لأصحابها جمیعهم فلن یغفل عن حق بعضهم، وهو یعضد على کلامه بقوله "إن السیل إذا جاء یثرى وإن قل أغنى" فهو یشبه نفسه بالماء الذى یسقط من السماء فإذا کثر حدث الثراء والنماء وکثر الخیر وزاد النفع، وإذا قل الماء فإنه یجدى ویحدث الخیر أیضاً، ففى کل الأحوال یجد أن فى ولایته نفع للأمة الإسلامیة.

   وبعدما أبدى معاویة محاسنه وسیاسته الراشدة، أخذ یحذر المتلقین من الفتن؛ لأنها سبیل کل مفسدة، وتؤدى إلى ضیق فى الرزق وتؤدى إلى حیاة مشوبة بالهموم والمصاعب والمتاعب.

3ـ الأفعال الکلامیة فى الخطبة:

الملقى للخطبة: معاویة بن أبى سفیان.

المتلقى: أهل یثرب من المسلمین.

مکان الخطبة: المدینة المنورة.

زمان الخطبة: سنة إحدى وأربعین للهجرة.

موضوع الخطبة: عن ولایة معاویة والسیاسة التى یتبعها.

ورد فى المقام الذى یسبق الخطبة الأفعال الکلامیة الآتیة:

(الحمد لله الذى أعز نصرک):

-          الفعل الکلامى: أعز نصرک:ویتضمن هذا الفعل ثلاثة أفعال کلامیة.

-    الفعل القولى: یتمثل فى الفعل أعز: وهو فعل ماض مبنى على الفتح، وفاعله مستتر تقدیره (هو)، ونصرک مفعول به منصوب، الکاف: ضمیر متصل فى محل جر مضاف إلیه، أعز: أید، والجذر اللغوى (ع – ز – ز).

-          الفعل القضوى: وهو یتمثل فى فعلی الإحالة والحمل.

-          الإحالة: وهو الإحالة بالضمیر المستتر ویعود هذا الضمیر على الله عز وجل.

-    الحمل: ویتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة الدعاء لله عز وجل بالحمد الذى أعز وأید الله به خلیفة المسلمین معاویة بن أبى سفیان.

-    الفعل الإنجازى: یتمثل هذا الفعل الإنجازى فى الجملة الخبریة اللفظ الإنشائیة المعنى (الحمد لله الذى أعز نصرک) ویستمد الفعل الکلامى قوته الإنجازیة من الخبر الذى عدل عن معناه وخرج لمعنى الإنشاء، وهو التوجه لله عز وجل بالدعاء، وحمده تعالى أن أید ونصر وأعز معاویة.

(أعلا کعبک):

-          الفعل الکلامى: أعلا.

-    الفعل القولى: متمثل فى لفظ أعلا: وهو فعل ماض مبنى على الفتح، الفاعل ضمیر مستتر، کعبک: کعب: مفعول به منصوب، والکاف ضمیر متصل مبنى فى محل جر مضاف إلیه، أعلا: معناها المعجمى: رفع مکانک وشرفک، الجذر اللغوى: (ع – ل – و). ویحمل المعنى القولى الظاهر معنى (المنزلة الرفیعة وسمو مکانته ورفعة شأنه).

-          الفعل القضوى: فعل الإحالة: وهو الإحالة بالضمیر المستتر وتقدیره (هو) ویعود هذا الضمیر على الذات الإلهیة.

-          فعل الحمل: ویتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة رفعة الله عز وجل لمکانة معاویة.

-    الفعل الإنجازى: یتمثل هذا الفعل فى الجملة الخبریة (أعلا کعبک)، ویستمد هذا الفعل قوته الإنجازیه من خروج الخبر عن معناه إلى معنى الإنشاء، وهو الدعاء لله عز وجل بعلو مکانه معاویة.

(فإنى والله ما ولیتها بمحبة علمتها منکم، ولا مسرة بولایتى، ولکنى جالدتکم بسیفى هذا مجالدة):

-          الفعل الکلامى: ما ولیتها.

-    الفعل القولى: یتمثل هذا الفعل فى الجملة الفعلیة المنفیة، ولى: فعل ماضى مبنى على السکون لاتصاله بتاء الفاعل، تاء الفاعل ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، والهاء ضمیر متصل مبنى فى محل نصب مفعول، ولیتها: أى ولایته لأمور المسلمین، الجذر اللغوى: (و – ل – ى).

-          الفعل القضوى: فعل الإحالة: وهو الإحالة فى الکلمات الآتیة:

فإنى: الإحالة بالضمیر المتصل (یاء المتکلم) ویعود على معاویة.

ولیتها: الإحالة (بالتاء) وتعود على معاویة، والإحالة (بالهاء) وتعود على الخلافة.

علمتها: الإحالة (بالتاء) وتعود على معاویة، والإحالة بالهاء وتعود على کلمة المحبة.

منکم: الإحالة بالضمیر المتصل وتعود على جمهود المتلقین.

بولایتى: الإحالة بضمیر المتکلم وتعود على معاویة.

-          فعل الحمل:وهو یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة یقین معاویة أن المسلمین من أهل المدینة لم یبایعوه بالولایة عن حب وفرح وسرور بولایته بل هو من حارب إلى أن وصل إلى هذه المکانة.

-    الفعل الإنجازى: ویتمثل هذا الفعل فى الجملة الخبریة (فإنى والله ما ولیتها بمحبة....)، ویستمد هذا الفعل الکلامى قوته الإنجازیة من الخبر المؤکد بإن والقسم، وهذا الخبر الصادق یؤکده ما حدث من وقائع وأحداث قبل تولیه خلافة المسلمین، فلم یبایعه المسلمون من ذوات أنفسهم، ولکن ما دفعهم إلى مبایعته إشهاره سیفه وأخذه لهم بالقوة، فهى جملة خبریة إنکاریة مؤکدة بأکثر من أداة التوکید (إن)، والقسم بلفظ الجلالة فهو بذلک یؤکد تمام التأکید للمتلقین أن أمر الخلافة جاء بالکد والحرب ولیس بالمحبة التى تظهرونها.

(ولکنى جالدتکم بسیفى هذا مجالدة).

-          الفعل الکلامى: جالدتکم.

-    الفعل القولى: متمثل فى الجملة الفعلیة وما تحمله من معنى أولى ظاهر والفعل جالد: فعل ماض مبنى على السکون لاتصاله بتاء الفاعل، تاء الفاعل ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، والضمیر المتصل مبنى فى محل جر مضاف إلیه. جالدتکم أی حاربتکم بشدة وقوة، الجذر (ج – ل – د).

-          الفعل القضوى: یتمثل فى فعل الإحالة، وهو الإحالة بالضمائر فى الکلمات الآتیة:

لکنى: الإحالة بالضمیر المتصل (یاء المتکلم) ویحیل إلى المتکلم نفسه (معاویة).

جالدتکم: الإحالة بالضمیر المتصل (کم) ویحیل إلى المتلقین (أهل المدینة)، وکذلک الإحالة بالضمیر المتصل (تاء الفاعل) وتحیل إلى المتکلم (معاویة).

بسیفى: الإحالة بالضمیر المتصل (یاء المتکلم) ویحیل إلى المتکلم (معاویة).

-    الفعل الإنجازى: یتمثل هذا الفعل فى الجملة الخبریة (ولکنى جالدتکم بسیفى هذا مجالدة)، ویستمد هذا الفعل قوته الإنجازیة من خروج الخبر الذى یستدرک فیه ما سبق کى یرفع الوهم عن أهل المدینة بأنهم لم یبایعوه عن محبة وقناعة، بل هو الذى وصل إلى الخلافة بسیفه والتعبیر بالمفعول المطلق یدل على التأکید.

  (ولقد رضت لکم نفسى عن عمل ابن قحافة)

-          الفعل الکلامى: (رضت).

-    الفعل القولى: رضت: فعل ماض مبنى على السکون، وتاء الفاعل ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، رضت أخضعت – ذللت، الجذر (ر – و – ض).

-          الفعل القضوى: ویتمثل فى الإحالة فى الکلمات الآتیة:

رضت: الإحالة بتاء الفاعل على معاویة.

لکم: الإحالة (بکم) على المتلقین (أهل المدینة).

نفسى: یاء المتکلم تحیل إلى معاویة.

-    الحمل: تتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة خضوع معاویة وتذلیله نفسه للمسلمین کما کان یفعل خلیفة المسلمین وخلیفة رسول الله صلى الله علیه وسلم أبو بکر الصدیق.

-    الفعل الإنجازى:یتمثل هذا الفعل فى الجملة الخبریة (ولقد رضت لکم نفس...) ویستمد هذا الفعل قوته الإنجازیة من الخبر المؤکد باللام وقد، فهو ذلل نفسه لهم واتخذ من خلیفة المسلمین الأول قدوة فى معاملته للمسلمین، وإن دل هذا على شیء فإنما یدل على لین الجانب والسهولة والیسر، فهذا خلق الصدیق أبى بکر رضى الله عنه وتأکید الفعل الماضى بأکثر من أداة إنما یدل على صدق الرجل ومدى استعداده، وتأهیله نفسه کى یکون هو الإمام وخلیفة المسلمین.

(وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلک نفاراً شدیداً):

-          الفعل الکلامى: أردتها.

-    الفعل القولى: یتمثل فى الجملة الفعلیة المکونة من فعل وفاعل ومفعول ومکملات الجملة من جار ومجرور، والمقصود أردتها: أخضعت نفسى أن تشیر فى الناس بحکم عمر بن الخطاب.

-           الجذر اللغوى: (ر – و – د).

-          الفعل القضوى ویتمثل فى فعل الإحالة، وهو الإحالة بالضمائر فى الکلمات الآتیة:

أردتها: الإحالة (بالتاء) على المتکلم وهو معاویة، وکذلک الإحالة بالـ (الهاء) وتعود على کلمة (نفس).

فنفرت: الإحالة بالضمیر المستتر وتقدیره (هى) والإحالة على نفس معاویة.

-    الحمل:یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة انتهاج نهج الخلیفة عمر بن الخطاب وإرهاق معاویه نفسه باتباع منهج عمر فى الخلافة.

-    الفعل الإنجازى: یتجسد هذا الفعل فى الجملة الخبریة (وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلک نفاراً..) ویستمد هذا الفعل قوته الإنجازیة من الخبر الذى یحمل معنى المشقه وإرهاق النفس بما لا تطیق، فحینما أراد أن یسیر بین المسلمین بمنهج الإمام والخلیفة العادل عمر بن الخطاب رأى النفس قد نفرت من ذلک وذلک، لأن أحوال المسلمین تبدلت عن الحال التى کانت علیه زمن عمر بن الخطاب.

 

(وأردتها على سنیات عثمان فأبت على، فسلکت بها طریقاً لى ولکم فیه منفعة مؤاکلة حسنة ومشاربة جمیلة):

-          الأفعال الکلامیة فى هذا المقام: أردتها – أبت – سلکت.

-          الفعل القولى: أردتها: (جاء تحلیلها فى الصفحه السابقة).

أبت: فعل ماضى مبنى على الفتح، والفاعل مستتر تقدیره (هى).

معنى (أبت): رفضت – امتنعت، الجذر اللغوى (أ – ب – ى).

سلکت: فعل ماض مبنى على السکون، تاء الفاعل ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل.

سلکت: انتهجت طریقاً، الجذر اللغوى (س – ل – ک).

-          الفعل القضوى: فعل الإحالة: ویتمثل فى الإحالة على:

أردتها: التاء: تحیل إلى معاویة، الهاء: تحیل إلى النفس.

أبت: الإحالة بالضمیر المستتر وتقدیره (هى) على النفس.

فسلکت: الإحالة بالتاء إلى المتکلم (معاویة).

بها: الإحالة بالهاء على النفس.

لى: یاء المتکلم تحیل إلى المتکلم وهو (معاویة).

لکم: الإحالة بالضمیر المتصل على أهل المدینة من المسلمین.

-    الحمل: یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة رفض معاویة سنة عثمان بن عفان فى الخلافة وابتداعه لسنة جدیدة فیها إرضاء للطرفین معاویة نفسه ومن یحکمهم من المسلمین، فهذا المنهج الجدید فیه نفع له وللمسلمین.

-    الفعل الإنجازى: یتجسد هذا الفعل الکلامى فى الجملة الخبریة (وأردتها على سنیات...) ویستمد هذا الفعل قوته الإنجازیة التی یسرد فیه للمتلقین الجهد الذى بذله وعاناه من أجلهم، ومن أجل إرضائهم، فسلک مسلک الخلفاء الراشدین أبی بکر وعمر وعثمان فوجد أن فى ذلک مشقه کبیرة علیه، فانتهج نهجاً جدیداً وطریقاً لم یسبقه إلیه غیره، ورأى أن فى ذلک النفع والصلاح له وللأمة الإسلامیه التى سیحکمها ومن الملاحظ أن معاویة لم یذکر الخلیفه الرابع (على بن أبى طالب) وذلک لکونه أنه غیر مقتنع ولا راض عن ولایته منذ البدایة، فکان معاویة یرى أنه أحق بولایة أمور المسلمین بعد مقتل عثمان.

(فإن لم تجدونى خیرکم فإنى خیر لکم ولایة):

-          الفعل الکلامى: لم تجدونى.

-    الفعل القولى: یتمثل هذا الفعل فى الجملة الفعلیة (تجدونى)، والفعل (تجدوا) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون، واو الجماعه: ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، ویاء المتکلم ضمیر متصل مبنى فى محل نصب مفعول به، لم تجدونى: لم ترونى الأفضل والأحسن، الجذر اللغوى (و – ج – د).

-          الفعل القضوى: یتمثل فى فعل (الإحالة) وهو الإحالة بالضمائر فى الکلمات الآتیة:

تجدونى: الإحالة بواو الجماعة، وتعود على أهل المدینة، والإحالة بیاء المتکلم على معاویة.

خیرکم: الإحالة بالضمیر المتصل (کم) على أهل المدینة.

فإنى: الإحالة بیاء المتکلم على معاویة.

لکم: الإحالة بالضمیر المتصل على أهل المدینة.

-    الحمل: یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة اقتناع معاویة بأنه لن یفضله أحد فى الولایة، فإن لم یکن الأفضل فى کل شیء فحسبه أنه الأفضل والأنفع لخلافة المسلمین.

-    الفعل الإنجازى: یتجسد هذا الفعل فى الجملة الخبریة (فإن لم تجدونى...) ویستمد هذا الفعل الکلامى قوته الإنجازیة من أسلوب الشرط باستخدام أداة الشرط (إن) وجاءت جملة فعل الشرط منفیة فمعاویة ینفث عن نفسه أن یکون أفضل من فى المسلمین فى أمور کثیرة کالأمور الدینیة والخلقیة والدنیویة، وجاء فى جملة جواب الشرط، وهى جملة إسمیة مؤکدة بإن، ومعنى ذلک أنه یرید أن یؤکد لجمهور الحضور والمتلقین له أنه أحق بالبیعة والولایة والخلافة لأنه أفضل من یستحق هذه المکانة، وهنا فى هذا السیاق إعجاب وفخر من معاویة بنفسه، وفى هذا الموضوع تحدیداً تتجلى قدرة المتکلم وإقناعه من حوله إنه شخص حاکم یستطیع أن یتولى مقالید حکم المسلمین، وإدارة شئون الدولة الإسلامیة.

(والله لا أحمل السیف على من لا سیف له)

-          الفعل الکلامى: لا أحمل.

-    الفعل القولى: أحمل فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، السیف مفعول به، الفاعل ضمیر مستتر تقدیره أنا، معنى لا أحمل السیف: لا أعتدى على أحد لیس معه سلاح، والنفی یفید هنا نفى حمل السلاح على الشخص المسالم، الجذر اللغوى (ح – م – ل).

-          الفعل القضوى: یتمثل فى فعل (الإحالة) وهو الإحالة بالضمائر فى الکلمات الآتیة:

أحمل: الإحالة بالضمیر المستتر وتقدیره (أنا) ویعود على معاویة.

له: الإحالة بالضمیر المتصل (الهاء) وتعود على الشخص الذى لا یحمل السلاح.

-    الحمل: یتمثل فعل الحمل فى الحمولة الدلالیة لقسم معاویة وتأکیده عدم الإعتداء على غیر المعتدین فهو یسالم من سالمه.

-    الفعل الإنجازى: یقع هذا الفعل الکلامى فى الجملة الخبریة (والله لا أحمل السیف...)، یستمد هذا الفعل الکلامى قوته الإنجازیة من الخبر المؤکد بالقسم وهذا الخبر یحمل معنى ظاهر، وآخر عمیق، أما المعنى الظاهر: فهو تأکیده وقسمه للمخاطبین أنه لا یمکن حمل السلاح على العزل المسلمین، والمعنى الخفى المستنتج من هذا الفعل هو (التهدید والتخویف) فمعاویة یندد من ینوى حمل السلاح والإعتداء فسیکون جزاؤه بالمثل.

 

(وإن لم یکن منکم إلا ما یستشفى به القائل، فقد جعلت ذلک دبر أذنى وتحت قدمى):

-          الأفعال الکلامیة: یستشفى – جعلت.

-    الفعل القولى: یستشفى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة، الفاعل: القائل، معنى یستشفى به القائل: أى ما یقوله من کلم طیب، الجذر اللغوى (ش – ف – ى).

-    الفعل الکلامى (جعلت): جعل: فعل ماض مبنى على السکون لاتصاله بتاء الفاعل، تاء الفاعل ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، والمقصود إننى لا أهتم بالکلام السیء المحبط

-          الجذر اللغوى: (ج – ع – ل).

-          الفعل القضوى: یتمثل فى الإحالة وتقع فى الکلمات الآتیة:

منکم: کم ضمیر متصل یحیل على أهل الکوفه.

یستشفى: الإحالة بالاسم الظاهر وهى کلمة (القائل).

جعلت: تاء الفاعل تحیل إلى المتکلم (معاویة).

أذنى: یاء المتکلم تحیل إلى المتکلم (معاویة) وکذلک کلمة (قدمى).

-    فعل الحمل: یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة ترک الکلام غیر المجدى، فمعاویة إن لم یسمع ممن هم على عهده وطاعته الکلام الحسن الطیب النافع، فلا یهتم لغیر هذا الکلام.

-    الفعل الإنجازى: امتثل هذا الفعل الکلامی فى الجملة الخبریة (وإن لم یکن منکم...) ویستمد هذا الفعل الکلامی قوته الإنجازی  من معنى مباشر جاء هذا المعنى فى أسلوب الشرط وأسلوب القصر بالنفى والاستثناء، والقصر من مؤکدات الجمل، وجاء فعل الشرط منفیاً، وهذا معناه أن معاویة أمیر المؤمنین لا یرید من الکلام إلا ما تطیب به النفوس، أما المعنى غیر المباشر فهو تحذیر أهل المدینة من کثرة الکلام الذى لا یجدى ولا یثمر، فإن خلیفة المسلمین لا یلقى لهذا الکلام بالاً، ویکون سبباً فى هلاک من قاله.

(فإن لم تجدونى أقوم بحقکم کله، فاقبلوا منى بعضه).

-          الفعل الکلامى: لم تجدونى – فاقبلوا.

-    الفعل الکلامى: تجدونى: فعل مضارع مجزوم بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، ویاء المتکلم ضمیر متصل مبنى فى محل نصب مفعول به، تجدونى أقوم بحقکم: آخذ لکم الحق، الجذر: (و – ج – د).

-    فاقبلوا: فعل أمر مبنى على حذف النون، واو الجماعة ضمیر متصل مبنى فى محل رفع فاعل، اقبلوا: تقبلوه ولا تتضجروا، الجذر: (ق – ب – ل).

-          الفعل القضوى: یتمثل فى فعل الإحالة فى الکلمات الآتیة:

تجدونى: الإحالة بواو الجماعة على أهل المدینة، والإحالة بیاء المتکلم على (معاویة).

بحقکم: الضمیر المتصل (کم) یحیل إلى أهل المدینة.

کله: الهاء الإحالة بها على (الحق).

اقبلوا: بواو الجماعة على (أهل المدینة).

بعضه: الإحالة بالهاء على (الحق).

-    الحمل: یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة تقبل المسلمین أخذ معاویة الحقوق کبیرها وصغیرها، کلها أو بعضها، فإن لم یستطع أخذ الحق لکافة الناس، فلن یقصر عن أخذ الحق لبعضهم من المستضعفین.

-    الفعل الإنجازى: یتمثل الفعل الإنجازى فى جملة الشرط (وإن لم تجدونى أقوم بحقکم..) وهذا الفعل یستمد قوته الإنجازیه من جملتى الشرط، جملة فعل، وجملة جواب الشرط، فجملة فعل الشرط جاء الفعل فیها منفیاً (لم تجدونى) ومعنى ذلک أنه ینفى عن نفسه استطاعته القیام بکامل حقوق القوم، ثم تأتى جملة جواب الشرط، وهى جملة إنشائیة نوعها أمر، والأمر هنا من معاویة إلى أهل المدینة أى من الحاکم إلى المحکومین من الأعلى للأدنى ولکن عدل الأمر وخرج عن معاناه الأصلى وهو الإلزام، إلى معنى آخر وهو الالتماس، فهو یرید منهم تقبل سیاسته ومساعدته حتى یقوم على کل الأمور التى ستواجهه فهو الذى بدأ عهد جدید للدولة الإسلامیة، ویرید أن یخرج من مرحلة الضعف والفتن والفساد التى تمر بها بلاد المسلمین إلى مرحلة توطید دعائم الدولة واستقرارها.

(إیاکم والفتنة):

-          الفعل الکلامى: هو فعل کلامى مقدر (أحذرکم) ولکنه محذوف ویفهم من السیاق.

-    الفعل القولى: إیاکم والفتنة: إیاکم مفعول به لفعل محذوف تقدیره احذروا، والواو حرف عطف، الفتنة: مفعول به لفعل محذوف تقدیره احذروا (احذرکم).

-          الفعل القضوى: المتمثل فى فعل الإحالة، وهو الإحالة بالضمیر المستتر وتقدیره (أنتم)، والمقصود به (أهل المدینة).

-          أما فعل الحمل: فیتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة التحذیر.

-    الفعل الإنجازى: یتمثل هذا الفعل فى الجملة الإنشائیة (إیاکم والفتنة)، ویستمد هذا الفعل الکلامى قوته الإنجازیة من الإنشاء الصریح وهو الأمر، فإنه یلزمهم ویحذرهم من إتباع الفتن، فالله عز وجل حذرنا منها فى مواضع کثیرة فى کتابه العزیز فقال عز من قائل: (والفتنة أشد من القتل)، ففى هذا الأمر تحذیر باللفظ الصریح (إیاکم) فهو یرید من المسلمین عدم الخوض والسیر وراء الفتن لأنها لا تجلب إلا شراً، وتفسد على الناس أحوالهم ومعیشتهم فى الحیاة الدنیا وفى الآخرة.

(فإنها تفسد المعیشة وتکدر النعمة)

-          الفعل الکلامى: تفسد – تکدر.

-    الفعل القولى: تفسد: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه بالضمة، الفاعل ضمیر مستتر تقدیره هى، معنى فساد المعیشة أى أنها یصیبها الخلل ویصبح فیها من الفساد والخراب ما یکدر على الناس حیاتهم ومعیشتهم – الجذر اللغوى (ف – س – د).

تکدر: فعل مضارع مرفوع، الفاعل ضمیر مستتر تقدیره هى، النعمة: مفعول به منصوب، معنى تکدر: تفسد وتکون الحیاة منغصة، ویصاب الناس بالهم والحزن.

-          الفعل القضوى: ویتمثل فى الإحالة بالکلمات الآتیة :

فإنها: الضمیر المتصل (الهاء) یحیل على الفتن.

تفسد: الضمیر المستتر وتقدیره (هى) یحیل على الفتن وکذلک الضمیر المستتر فى الفعل.

تکدر: یحیل على الفتن.

-    الفعل الحملى: یتمثل فى الحمولة الدلالیة لقضیة تحذیر أمیر المؤمنین معاویة أهل المدینة من تجنب الفتن لأن مصائبها فساد الحیاة، فثمار هذه الفتن لا یکون إلا دماراً وفساداً للنفوس أولاً وللمجتمع.

-    الفعل الإنجازى: یتجسد هذا الفعل فى الجملة الخبریة، ویستمد هذا الخبر قوته الإنجازیه من الخبر المؤکد بإن، فالمتلقون لابد وأنهم على علم بما تحدثه الفتن والثمار التى تجنیها فیؤکد علیهم والى أمورهم وخلیفتهم أن صدى هذه الفتن لا یکون إلا عواقب جسیمة فتذهب بالنعم وتمحوها وتعکر صفو الحیاة.

 

 

الخاتمة

 

     تعد الأفعال الکلامیة من المفاهیم التداولیة التی تحتل موقعا متمیزا، وتعد هی الأساس الذی تقوم علیها التداولیات، ولقد وعی علماء التراث العربی بمفهوم الأفعال الکلامیة، وضمنوها أبحاثهم، ولکنهم لم یفردوا لها دراسات مستقلة، وإنما تشابهت قضایا الخبر والإنشاء مع مفهوم الأفعال الکلامیة، من حیث مراعاة أحوال المتکلمین، کالملقی والمتلقی، والسیاق ، وقرائن الأحوال، وأن الکلام قد یخرج عن ظاهر لفظه ویتضمن معانی أخرى، والأفعال الکلامیة لم تعرف بهذا المصطلح  إلا حدیثا على ید الفیلسوف اللغوی (جون أوستین) وکانت هذه هی مرحلة التأسیس والنشأة، ثم تلتها مرحلة النضج والاکتمال على ید (جون سیرل)، ولقد قمت بتطبیق مفهوم الأفعال الکلامیة على خطبة لمعاویة بن أبی سفیان، فبدى ثراء هذا النص وتکشفت المعانی، عندما طبقت هذا المفهوم الحدیث فی قراء النص، ومن أهم النتائج التی توصلت إلیها غیر هذا البحث :

-          إدراک العلماء العرب للمفاهیم والنظریات الحدیثة، ولکنهم لم یفردوا لها مباحث مستقلة.

-          لم تعرف الأفعال الکلامیة بمسماها هذا إلا حدیثا.

-          یعد رائد الأفعال الکلامیة هو(جون أوستن)، ولکن من قام على تطویر النظریة إلى أن أخذت هذا الشکل المکتمل هو الفیلسوف(جون سیرل).

-          إن تطبیق هذا المفهوم الحدیث على نص من نصوص التراث العربی ألبسها ثوبا جدیدا وکشف لنا عن الکثیر من المعانی .

 

ثبت بالمصادر والمراجع

1-    القرآن الکریم.

2-    آفاق جدیدة فی البحث اللغوی المعاصر، محمود أحمد نحلة، دار المعرفة الجامعیة، 2002.

3-    الاستلزام الحوارى فی التداول اللسانى من الوعى بالخصوصیات النوعیة للظاهرة إلى وضع القوانین الضابطة لها، العیاشى أدراوى،  دار الأمان ، الرباط ، ط 1، 2011.

 

4-    تاریخ الطبرى، تاریخ الرسل والملوک، أبى جعفر محمـد بن جریر الطبرى، ج5، دار المعارف، ط2.

5-    التداولیة عند العلماء العرب، دراسة تداولیة لظاهرة "الأفعال الکلامیة" فی التراث العربی، مسعود صحراوی، دار الطلیعة، بیروت- لبنان، ط1، 2005.

6-    التداولیة الیوم علم جدید فی التواصل، آن ریبولو جالک موشلار، ترجمة د/ سیف الدین دغفوس وآخرون، دار الطلیعة للطباعة والنشر، بیروت لبنان، 2003، ط1.

 

7-    تفسیر القرآن العظیم،للحافظ أبی الفداء إسماعیل بن عمرو بن کثیر القرشیالدمشقی، تحقیق/ سامی بن محمد السلامة، دار طیبة للنشر والتوزیع، ط2، 1999، الأجزاء: الأول والثالث والسابع.

8-    سیر أعلام النبلاء، الإمام شمس الدین الذهبى، مؤسسة الرسالة، ط 11، 1996، صـ 136، 115تاریخ الطبرى، تاریخ الرسل والملوک، أبى جعفر محمـد بن جریر الطبرى، ج5، دار المعارف، ط2.

9-    الصاحبى فى فقه اللغة العربیة ومسائلها وسنن العرب فی کلامها، للإمام أبی الحسن أحمد بن فارس بن زکریا، علق علیه/ أحمد حسن بسج، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1997.

10-                       العقد الفرید، للفقیه محمد بن عبد ربه الأندلسی(ت328) تحقیق/ مفید محمد قمیحة، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1983.ج2.

11-                       علم المعانى، د/ عبد العزیز عتیق، دار النهضة العربیة، ط1،2009.

12-                       فی البرجماتیة: الأفعال الإنجازیة فی العربیة المعاصرة دراسة دلالیة ومعجم

سیاقی، علی محمود حجی الصراف، مکنبة الآداب، القاهرة، 2010،ط1.

13-                       الکامل فى التاریخ، محمـد بن محمـد بن عبد الکریم بن عبد الواحد الشیبانى، المعروف بابن الأثیر، ج3، دار الکتب العلمیه بیروت – لبنان

14-                       مفتاح العلوم، للإمام سراج الملة والدین أبی یعقوب یوسف بن أبی بکرمحمد بن علی السکاکی،ت (626)، ضیط هوامشه نعیم زرزور، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط2، 1987.

15-                       المقاربة التداولیة، فرانسواز أرمینکو، تر/ سعید علوش، مرکز الإنماء القومی.

16-                       النص والخطاب والاتصال، محمد العبد، الأکادیمیة الحدیثة للکتاب الجامعی، ط1، 2014.

17-                       نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصریین والبلاغیین العرب، طالب سید هاشم الطبطبائی، مطبوعات جامعة الکویت، 1994.

18-                       نظریة أفعال الکلام العامة، أوستین، ترجمة عبد القادر قنینى، أفریقیا الشرق.

 

 

 



[1] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوی المعاصر، محمود أحمد نحلة، دار المعرفة الجامعیة، 2002، ص23.

[2] - کما ورد ذلک فی کتاب/ التداولیة الیوم علم جدید فی التواصل، آن ریبولو جالک موشلار، ترجمة د/ سیف الدین دغفوس وآخرون، دار الطلیعة للطباعة والنشر، بیروت لبنان، 2003، ط1، ص33.

[3] - انظر کتاب/ المقاربة التداولیة، فرانسواز أرمینکو، تر/ سعید علوش، مرکز الإنماء القومی، ص60.            

[4] -   ورد هذا المصطلح فی کتاب / فی البرجماتیة: الأفعال الإنجازیة فی العربیة المعاصرة دراسة دلالیة ومعجم سیاقی، علی محمود حجی الصراف، مکنبة الآداب، القاهرة، 2010،ط1.

[5] -  آفاق جدیدة فی البحث اللغوی المعاصر، ص5.

[6] -   التداولیة عند العلماء العرب، دراسة تداولیة لظاهرة "الأفعال الکلامیة" فی التراث العربی، مسعود صحراوی، دار الطلیعة، بیروت- لبنان، ط1، 2005، ص 7-8.

[7] - مفتاح العلوم، للإمام سراج الملة والدین أبی یعقوب یوسف بن أبی بکرمحمد بن علی السکاکی،ت (626)، ضبط هوامشه نعیم زرزور، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط2، 1987،ص161.

[8] - المرجع السابق، ص 162.

[9] - المرجع السابق، نفس الصفحة.

[10] -  التداولیة عند العلماء العرب، ص40.

[11] - ذکر ابن فارس أن معانى الکلام عند بعض أهل العلم عشرة هى: خبر، واستخبار، وأمر، ونهى ، ودعاء، وطلب، وعرض، وتحضیض، وتمنى ، وتعجب. انظر الصاحبى فى فقه اللغة، ص133.

[12] - الصاحبى فى فقه اللغة العربیة ومسائلها وسنن العرب فی کلامها، للإمام أبی الحسن أحمد بن فارس بن زکریا، علق علیه/ أحمد حسن بسج، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1997 ،ص1.

[13] - البقرة، الآیة: 228.

[14] - تفسیر القرآن العظیم،للحافظ أبی الفدأ إسماعیل عمربن کثیر القرشی الدمشقی، تحقیق / سامی بن محمد السلامة، دار طیبة للمشر والتوزیع،ط2، 1999،  ج1،ص606.

[15] - الواقعة، الآیة: 79.

[16] - تفسیر القرآن العظیم،ج7، ص445،444.

[17] - الصاحبى فى فقه اللغة، ص134.

[18] - الواقعة، آیة: 8.

[19] - الواقعة،آیة: 8.

[20] - الواقعة، الآیات من 10:8.

[21] - تفسیر القرآن العظیم، ج7، ص515.

[22] - یونس، الآیة: 50.

[23] - الأحقاف، الآیة: 20.

[24] - الکهف، آیة: 49.

[25] - المائدة، آیة: 116.

[26] - تفسیر القرآن العظیم، ج3،ص232.

[27] - الأعراف، آیه: 172.

[28] - الأعراف، آیة: 172.

[29] - تفسیر القرآن العظیم، ج3، ص500.

[30] - البقرة، آیة:6.

[31] - البقرة، آیة: 27.

[32] - تفسیر القرآن العظیم، ج1، ص219.

[33] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، محمود نحلة، ص 43.

[34] - نظریة أفعال الکلام العامة، أوستین، ترجمة عبد القادر قنینى، أفریقیا الشرق، ص13.

[35] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، ص45، بتصرف.

[36] -  الاستلزام الحوارى فی التداول اللسانى من الوعى بالخصوصیات النوعیة للظاهرة إلى وضع القوانین الضابطة لها، العیاشى أدراوى،  دار الأمان ، الرباط ، ط 1، 2011، ص85.

[37] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، مرجع سابق، ص 47.

[38] - المقاربة، فرانسوا أمرینکو، ترجمة سعید علوش، ص 62.

[39]- نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصریین والبلاغیین العرب، نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصرین والبلاغیین العرب، طالب سید الطبطبائی،مطبوعات جامعة الکویت،1994،  ص13، بتصرف.

[40] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، مرجع سابق، ص74.

[41] - المرجع السابق، ص76- 80.

[42] - المقاربة التداولیة ، فرانسواز أرمینکو، ص30.

[43] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، ص82.

[44] -  نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصرین والبلاغیین العرب، ص30.

[45] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، مرجع سابق، ص83.

[46] -  نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصرین والبلاغیین العرب، ص31

[47] - نظریة أفعال الکلام العام ، جون أوستین، ص110.

[48] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوى المعاصر، ص 84.

[49] - النص والخطاب والاتصال، محمد العبد، الأکادیمیة الحدیثة للکتاب الجامعی،ط1،2014.

 ص 291،  وینظر محمود نحله،ص85.

[50] - المرجع السابق، ص291، بتصرف.

[51] - آفاق جدیدة فی البحث اللغوی المعاصر، ص 86- 87.

[52] - المرجع السابق ، ص 87.

[53] - قد اعتمدت نص الخطبة من کناب العقد الفرید لابن عبدربه ،  للفقیه محمد بن عبد ربه الأندلسی(ت328) تحقیق/ مفید محمد قمیحة، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1983.ج2.

[54]- سیر أعلام النبلاء، الإمام شمس الدین الذهبى، مؤسسة الرسالة، ط 11، 1996، صـ 136، 137.

[55]- تاریخ الطبرى، تاریخ الرسل والملوک، أبى جعفر محمـد بن جریر الطبرى، ج5، دار المعارف، ط2، صـ 157، 159.

[56]- سیر أعلام النبلاء، صـ 137.

[57] -الکامل فى التاریخ، محمـد بن محمـد بن عبد الکریم بن عبد الواحد الشیبانى، المعروف بابن الأثیر، ج3، دار الکتب العلمیه بیروت – لبنان – ط1، 1987، صـ271

ثبت بالمصادر والمراجع
1-    القرآن الکریم.
2-    آفاق جدیدة فی البحث اللغوی المعاصر، محمود أحمد نحلة، دار المعرفة الجامعیة، 2002.
3-    الاستلزام الحوارى فی التداول اللسانى من الوعى بالخصوصیات النوعیة للظاهرة إلى وضع القوانین الضابطة لها، العیاشى أدراوى،  دار الأمان ، الرباط ، ط 1، 2011.
 
4-    تاریخ الطبرى، تاریخ الرسل والملوک، أبى جعفر محمـد بن جریر الطبرى، ج5، دار المعارف، ط2.
5-    التداولیة عند العلماء العرب، دراسة تداولیة لظاهرة "الأفعال الکلامیة" فی التراث العربی، مسعود صحراوی، دار الطلیعة، بیروت- لبنان، ط1، 2005.
6-    التداولیة الیوم علم جدید فی التواصل، آن ریبولو جالک موشلار، ترجمة د/ سیف الدین دغفوس وآخرون، دار الطلیعة للطباعة والنشر، بیروت لبنان، 2003، ط1.
 
7-    تفسیر القرآن العظیم،للحافظ أبی الفداء إسماعیل بن عمرو بن کثیر القرشیالدمشقی، تحقیق/ سامی بن محمد السلامة، دار طیبة للنشر والتوزیع، ط2، 1999، الأجزاء: الأول والثالث والسابع.
8-    سیر أعلام النبلاء، الإمام شمس الدین الذهبى، مؤسسة الرسالة، ط 11، 1996، صـ 136، 115تاریخ الطبرى، تاریخ الرسل والملوک، أبى جعفر محمـد بن جریر الطبرى، ج5، دار المعارف، ط2.
9-    الصاحبى فى فقه اللغة العربیة ومسائلها وسنن العرب فی کلامها، للإمام أبی الحسن أحمد بن فارس بن زکریا، علق علیه/ أحمد حسن بسج، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1997.
10-                       العقد الفرید، للفقیه محمد بن عبد ربه الأندلسی(ت328) تحقیق/ مفید محمد قمیحة، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط1، 1983.ج2.
11-                       علم المعانى، د/ عبد العزیز عتیق، دار النهضة العربیة، ط1،2009.
12-                       فی البرجماتیة: الأفعال الإنجازیة فی العربیة المعاصرة دراسة دلالیة ومعجم
سیاقی، علی محمود حجی الصراف، مکنبة الآداب، القاهرة، 2010،ط1.
13-                       الکامل فى التاریخ، محمـد بن محمـد بن عبد الکریم بن عبد الواحد الشیبانى، المعروف بابن الأثیر، ج3، دار الکتب العلمیه بیروت – لبنان
14-                       مفتاح العلوم، للإمام سراج الملة والدین أبی یعقوب یوسف بن أبی بکرمحمد بن علی السکاکی،ت (626)، ضیط هوامشه نعیم زرزور، دار الکتب العلمیة، بیروت- لبنان، ط2، 1987.
15-                       المقاربة التداولیة، فرانسواز أرمینکو، تر/ سعید علوش، مرکز الإنماء القومی.
16-                       النص والخطاب والاتصال، محمد العبد، الأکادیمیة الحدیثة للکتاب الجامعی، ط1، 2014.
17-                       نظریة أفعال الکلام بین فلاسفة اللغة المعاصریین والبلاغیین العرب، طالب سید هاشم الطبطبائی، مطبوعات جامعة الکویت، 1994.
18-                       نظریة أفعال الکلام العامة، أوستین، ترجمة عبد القادر قنینى، أفریقیا الشرق.