نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
قسم التاريخ - تخصص تاريخ و حضارة - کلية البنات - جامعة عين شمس
المستخلص
الموضوعات الرئيسية
الإطار المفاهیمی للبحث:
المبحث الأول: ماهیة التاریخ العام والمحلی:
المطلب الأول: العراق فی العصر السلجوقی
السلاجقة هم الأسرة التی أطاحت بالبویهیین الشیعة، وسیطرت على الخلافة العباسیة فی بغداد. وینحدر السلاجقة من قبیلة (قنق) الترکمانیة وتمثل مع ثلاث وعشرین قبیلة أخرى مجموعة من القبائل الترکمانیة المعروفة (بالغز) فی منطقة ما وراء النهر والتی تسمى الیوم (ترکستان)، وتمتد من هضبة منغولیا وشمال الصین شرقاً إلى بحر قزوین غرباً ومن السهول السیبیریه شمالاً إلى شبة القارة الهندیة وفارس جنوباً.
استوطنت عشائر الغز وقبائلها الکبرى تلک المناطق وعرفوا بالترک أو الأتراک([1])، ثم تحرکت هذه القبائل فی الانتقال من موطنها الأصلی نحو آسیا الصغرى فی هجرات ضخمه، وذکر المؤرخون مجموعة من الأسباب التی ساهمت فی هجرتهم؛ فیرى البعض أن سبب ذلک عوامل اقتصادیة، فالجدب الشدید وکثرة النسل جعلت هذه القبائل تضیق ذرعاً بمواطنها الأصلیة بحثاً عن الکلأ والمراعی والعیش الرغید، والبعض الآخر یغزو تلک الهجرات لأسباب سیاسیة، حیث تعرضت تلک القبائل لضغوط کبیرة من قبائل أخرى فاضطرت إلى ترک أراضیها([2]) بحثاً عن نعمة الأمن والاستقرار، واتجهت تلک القبائل المهاجرة غرباً، ونزلت بالقرب من نهر جیحون ثم استقرت بعض الوقت فی طبرستان، وجرجان، فأصبحوا بالقرب من الأراضی التی فتحها المسلمون بعد نهاوند وسقوط الدولة الساسانیة فی بلاد فارس سنة 21هـ([3]).
وقد أطلق على هذه القبائل اسم السلاجقة بعد أن تولى رئاستها سلجوق ابن دقاق نسبة إلیه وکان لا یعرف لها اسم خاص قبل تولیه رئاستها، ویبدو أنه جمع شملها ونظم صفوفها ووحدها تحت زعامته، وکانت منازل السلاجقة فی ذلک الوقت تجاور البلاد الخاضعة لنفوذ السامانیین والخانیین والغزنویین وهم المؤیدون للمذهب السنی الذی یتولى زعامته الروحیة الخلیفة العباسی فی بغداد، فأدى جوار السلاجقة لهم إلى دخولهم فی الإسلام على المذهب السنی قبل أن یکونوا دولة([4]).ویسر دخول السلاجقة فی الإسلام فرصة التقرب من حکام المسلمین المجاورین لهم، والتدخل أحیاناً فی المنازعات التی تثور بینهم. وقد أفاد زعیمهم سلجوق من مساعدته للسامانیین، فأذنوا له بالمرور فی بلادهم، والاستقرار بطوائف السلاجقة بالقرب من نهر سیحون، واتخاذ مدینة جند قاعدة لهم.
وبدأ القرن الخامس الهجری والسلاجقة([5]) یستقرون فی بلاد ما وراء النهر بعد أن تمت هجرتهم من بلاد الترکستان وکانت الدولة السامانیة قد انهارت فی عام 389هـ فتوزعت أراضیها بین الخانیین والغزنویین، وکانت منازل السلاجقة فی الشتاء تترکز حول نور بالقرب من بخارى وتتجمع فی الصف حول (سعد) بالقرب من سمرقند.
وکان المظهر القبلی یغلب على السلاجقة الأولین، فکانوا غیر مثقفین مما جعلهم فی حاجة ماسه إلى کثیر من الموظفین لاستعمالهم فی المهام المختلفة([6])، فبرزت طبقة الموظفین وازداد نفوذ بعض أفرادها تبعاً لأهمیة مناصبهم، أو لصلتهم بالسلطان السلجوقی، وکان من أبرز أفراد هذه الطبقة الوزراء والحجاب، وقد استطاع هؤلاء أن یلعبوا دوراً بارزاً موجهاً فی کثیر من الأحداث السیاسیة وغیر السیاسیة، بل إنهم استطاعوا أحیاناً أن یسیطروا على سلاطین السلاجقة ویوجهوهم وفق إرادتهم([7]).کما أثرت غلبة النظام القبلی على السلاجقة فی سلطنتهم، فجعلهم لا یصوغون نظاماً للحکم، وولایة العهد، فکانت مشکلة العرش مثلا تظل برأسها عقب وفاه کل سلطان، وکان أقدر أفراد البیت السلجوقی عسکریاً، أو أقواهم شخصیة ونفوذاً هو الذی یظفر بالعرش، حتى ولو لم یکن هو الأکبر سناً.
کما أثارت بداوة السلاجقة تمسکهم الشدید بالإسلام بعد دخولهم فیه وللدفاع عنه، ومیلهم إلى أهل السنة والجماعة. وقد أثر هذا الأمر فی تصرفات السلاجقة فجعلهم یظهرون الولاء للخلیفة العباسی فی بغداد، ویحترمون أئمة الدین احتراماً شدیداً مع میلهم إلى المتصوفة الذین کان لهم انتشار فی ذلک الوقت، ویجلون شیوخهم([8])، فازداد التصوف فی عصرهم انتشاراً، وظفرت طوائف الصوفیة باحترام الناس والحکام، فارتفع شأن رجالها وعظم تأثیرهم فی حیاه الناس([9]).
المطلب الثانی: ماهیة التاریخ العام
یقصد بهذا المصطلح فی التاریخ الإسلامی أن یبدأ المؤلف کتابه -فی الغالب– بالحدیث عن تاریخ العالم منذ بدء الخلیقة، ثم یتوالى حدیثه عن أمم ما قبل البعثة النبویة – بما فیها تاریخ العرب – متتبعاً سلسلة الأنبیاء، والأحداث الکبرى، وعادة یذکر تاریخ الأمم الأخرى کالفرس والروم والهنود قبل البعثة، لکن یأخذ طابعاً ثقافیاً لقلة الأخبار الواردة عن التاریخ السیاسی، ثم یتابع المؤرخ أخبار العالم الإسلامی من البعثة النبویة إلى عصره الذی عاش فیه، کما یطلق التاریخ العام على من اقتصر على التاریخ الإسلامی من البعثة النبویة إلى عصر المؤلف.
لعله من نافلة القول أن أذکر هنا أن العرب قبل البعثة النبویة لم یعرفوا الوحدة السیاسیة أو ینضموا تحت لواء دولة واحدة تجمع شملهم. وبعد البعثة النبویة بفترة قصیرة وجد العرب بعد إسلامهم أنفسهم على قمة دولة مترامیة الأطراف، حیث تکونت الأمة الإسلامیة الموحدة التی دعا إلیها الدین الجدید، وأحست هذه الأمة الولیدة بحاجتها إلى معرفة تاریخها وتاریخ غیرها من الأمم المجاورة، وقد تحدث القرآن الکریم والأحادیث النبویة عن أخبار الأمم الماضیة وتواریخ الأنبیاء ومواقف أممهم من دعوة التوحید، بل أعطى القرآن سجلاً کاملاً لقصة البشریة ونشأتها الأولى، ومع اتساع نطاق دار الإسلام وجدت حاجة ملحة لمتابعة أخبار أطرافها المتعددة ومناطقها المختلفة، فهذا مع عالمیة رسالة الإسلام، ووضع التقویم الهجری، والرغبة فی المعرفة([10]) أدى إلى ظهور فکرة التاریخ عموماً وفکرة التاریخ العام (أو العالمی) لدى کتاب التاریخ الإسلامی.
لقد تأخر ظهور هذا الاتجاه العالمی فی میدان الکتابة التاریخیة عند المسلمین عن الاتجاهات الأخرى المبکرة فی التألیف کالأنساب والمغازی والسیر. وربما کان أول کتاب فی التاریخ العام هو الکتاب المنسوب للهیثم بن عدی وهو تاریخ على السنین. ثم یخطو هذا النوع من المؤلفات خطوات سریعة نحو النضج على ید خلیفة بن خیاط (ت حوالی 240هـ) فی کتاب التاریخ ولعله أقدم کتاب بین أیدینا لتاریخ الإسلام مرتب على الحولیات، ثم أبو حنیفة الدینوری (ت270هـ) فی "الأخبار الطوال"، والیعقوبی (ت292هـ) فی کتاب "التاریخ" إلى أن یکتمل بناؤه على ید المؤرخ الکبیر ابن جریر الطبری فی کتاب "تاریخ الرسل والملوک" ثم یتابع هذا الاتجاه تطوره على مراحل على ید المطهر بن طاهر فی کتابه "البدء والتاریخ "الذی ألفه سنة 355هـ. ثم على ید المسعودی یمزج فیه بین التاریخ والجغرافیة فی کتاب "مروج الذهب"، ثم کتاب "تجارب الأمم" لمسکویه (ت421هـ)، ثم یأخذ شکلاً متوازیاً بین الأحداث والتراجم لدى ابن الجوزی فی "المنتظم فی تاریخ الملوک" إلى أن یصل إلى الفترة محل الدراسة حیت تتبلور صورته النهائیة المتسقة لدى ابن الأثیر فی کتابه المشهور "الکامل فی التاریخ" وهکذا.
المطلب الثالث: مفهوم التاریخ المحلی
التاریخ المحلی یعنی أن یقتصر المؤرخ فی کتابه على أخبار مدینة مثل مکة، والمدینة، ودمشق، وبغداد، وإربل، وهکذا، أو إقلیم یشمل عدداً من المدن مثل الشام، الحجاز، الیمن، العراق، وخراسان، وهکذا، ویدخل فی التاریخ المحلی تواریخ الأسر، والدول المنفصلة؛ وحتى الشخصیات من الحکام والعلماء إذا أفرد تاریخهم بمؤلفات، وهکذا...
وقد شهد التاریخ الإسلامی قیام مجموعات من الدول، تمثل قرباً أو بعداً من هذا المفهوم. وقد بدأت الدولة الإسلامیة فی حیاة الرسول واستمرت موحدة آخذة فی الاتساع على عهد خلفائه الراشدین، وکان الخلیفة رمزاً للمسلمین أجمعین، واستمرت الدولة موحدة نامیة الأطراف على عهد الأمویین جامعة لهم، ثم خلفهم العباسیون فی زعامة العالم الإسلامی، وخضعت لهم کل الأقالیم الإسلامیة، ما عدا الأندلس الذی استقل به عبد الرحمن الداخل الأموی المروانی وأبناؤه من بعده، ثم ظهرت الدویلات فی العصر العباسی الثانی وحکمت الأقالیم التی استقلت بها مع اعترافها بالخلافة العباسیة، وظهر تبعاً لذلک التاریخ المحلی لتلک الدویلات والأسر المستقلة ببعض الأقالیم .
لقد بدأ التألیف فی "التاریخ للدول أو الأسر الحاکمة" أو بعض الحکام، منذ زمن مبکر، فکتاب عوانة بن الحکم المتوفى سنة 147هـ بعنوان "سیرة معاویة وبنی أمیة"، وألف علی بن مجاهد بن مسلم الرازی ت182هـ کتاب "أخبار الأمویین"، وللهیثم بن عدی ت207هـ کتاب "الدولة" أی الدولة العباسیة"، وأبو بکر محمد بن یحیى الصولی ت335هـ کتاب "الأوراق فی أخبار آل عباس وأشعارهم". وفی العصر العباسی ظهرت دول مستقلة، وکان لها مؤرخون دونوا أخبارها، ومنهم: أبو بکر بن علی الصنهاجی بعنوان "تاریخ الموحدین"، وسجل جمال الدین أبو الحسن بن ظافر الأزدی ت613هـ کتاب "أخبار الدول المنقطعة".
وتوالت بعد تواریخ المدن والأقالیم وتعددت، فمثلاً کتب ابن عبد الحکم (ت257هـ) تاریخاً عن فتوح مصر، وکتب الخطیب البغدادی (ت463هـ) تاریخاً لبغداد. وکتب ابن الأزرق الفارقی (ت577هـ) عن تاریخ میافارقین وآمد، وکتب ابن الأثیر (ت630هـ) عن تاریخ الأسرة الزنکیة وهکذا.
المبحث الثانی: ملامح مناهج المؤرخین (التاریخ العام والمحلی) فی العصر السلجوقی
المطلب الأول: کیفیة النقل من المصادر
1. نقل النص کاملاً من المصادر:
کان لاعتماد المؤرخین على مصادر أساسیة فی تألیف کتبهم، ظهور النقل الکامل بالنص للمادة العلمیة دون التغییر فیها، وأمثلة ذلک کثیرة جداً، نجدها عند (الروذراوی) فی کتابه (ذیل تجارب الأمم) حیث نقل عن (التوحیدی) بالنص کاملاً من کتابه (الزلفة ) بقوله: (ذکر أبو حیان التوحیدی فی کتابة الزلفة أنه لما صحت وفاة الدولة کنا عند أبی سلیمان السجستانی وکان القومی حاضراً والنوجشانی...)([11]).
وکذلک عند (الهمذانی) فی کتابه (تکملة تاریخ الطبری) حیث نقل عن (التوحیدی) بالنص کاملاً من کتابه (الإمتاع والمؤانسة) بقوله: (وذکر أبو حیان فی کتاب الإمتاع والمؤانسة، قال: حصل ببغداد من العیارین قواد منعوا الماء أن یصل إلى الکرخ...)([12]).
وکذلک (العمرانی) فی کتابه (الإنباء فی تاریخ الخلفاء) حیث نقل من (الصولی) فی کتابیه (الأوراق، والوزراء) بقوله: ( قال أبو بکر، محمد بن یحیى الصولی فی کتاب الأوراق: "کنت واقفاً تحت دار السلطان فی جملة النظارة وأنا أراه وقد أخرجوه من الشبارة التی کان فیها وعلیه...")([13])، (وحکى محمد بن یحی الصولی فی کتاب الوزراء قال لقد رأیت عجباً، کنا فی عزاء القاسم وفیه جمیع أهل بغداد وأرکان الدولة وأرباب المناصب وفی الجملة العباس بن الحسن... ")([14]).
وکذلک عند (ابن الجوزی) فی کتابه (المنتظم) حیث کثیراً ما یکرر "قال الصابئ" "وقال ابن عقیل"، "وقال محمدبن عبد الملک " .
وکذلک عند (ابن الأثیر) فی کتابه (الکامل فی التاریخ) حیث نقل من (العماد الأصفهانی) فی کتابه (البرق الشامی) بقوله: "ذکر العماد الکاتب فی کتاب البرق الشامی فی تاریخ الدولة الصلاحیة "أن سیف الدین کان عسکره فی الواقعة..."([15]) ویأتی النص کاملاً، وهذا مظهر من مظاهر الدقة فی النقل من المصادر سواء کان النص المنقول صحیحاً أو غیر ذلک، فإن الصدق فی إیراده له أهمیته فی البحث العلمی؛ لأنه ییسر للقاری اطلاعه على آراء المؤرخین ونقلة الأخبار فی الوقائع والحوادث التی یذکرونها.
وعلى الباحث المعاصر أن یدقق فی مصادر المعلومة التاریخیة ومدى مطابقتها للواقع وصدقها أو مخالفتها وتحاملها؛ قبل أن یتخذ رأیاً أو یبنی حکماً تاریخیاً لتکون الأحکام التاریخیة مستقیمة وصادقة.
2. التصرف فی نقل النص من المصادر:
ویکون ذلک باختصار المادة المنقولة من حیث الحذف أو الإضافة، أو الاختصار حسبما تستدعی إلیه الحاجة مع المحافظة على ألفاظها أحیاناً أو تغییر الألفاظ لکن مع عدم الإخلال بالمعنى، وکذا التصرف بالتقدیم والـتأخیر وفق حاجته، ورغبته فی اختصار الحدث أو الروایة، ومثال ذلک: ما أورده (ابن الأثیر) فی کتابه (الباهر) وقد صرح به فی المقدمة فقال "... ومع هذا فإننی تعمدت ترک الإکثار، لمیل الناس فی زماننا إلى الاختصار..."([16])، فاختصر فی ذکر الروایات والأحداث کقوله "وذکر لی من أحواله الحسنة أشیاء لم أطول بذکرها"([17])، وعند ذکره لقصیدة شاعر لا یذکرها کاملة وإنما یورد بعضها ثم یقول: "...وهی طویلة جداً"([18])، أو "...فلهذا ترکنا أکثرها...([19])"، "... ولو ذکرت ما قال العلماء فیه لکان مجلدات، ولکن الاختصار ألیق بما نحن فیه، والسلام([20])".
وکذلک (الهمذانی) فی کتابه (تکملة تاریخ الطبری) فهو یحب الاختصار والإتیان بالمفید، والاکتفاء بالأخبار المشهورة بقوله: (ولو تتبعت أمثال هذا لأطلت، ولم أر أجمع لهذا العلم من کتاب محمد بن جریر الطبری فرأیت أن أضیف إلیه مجموعاً عولت فیه على ما نقلته من تصانیف المؤرخین وتألیف المحققین کالصولی، والتنوخی، والخطیب أبی بکر أحمد بن ثابت المحدث، وأبی إسحاق الصابئ وأولاده، وابن سنان، وغیر هؤلاء، وأضفت إلى ذلک ما حفظته من شعر الشعراء وحکایات العلماء تشهد بالحال، واختصرته بجهدی ولخصته بحسب طاقتی فیه على الأمور المشهورة والأحوال السائرة المأثورة، وختمته ببیعة مولانا وسیدنا الإمام المستظهر بالله أمیر المؤمنین الذی قضى حق الله فی بریته وأرتسم أمره فی رعیته...)([21]).
وکذلک (ابن الأزرق الفارقی) فی کتابه (تاریخ الفارقی) کان مائلا ً إلى الاختصار، مستخدماً ألفاظا تعین القارئ على ربط الأحداث؛ وفی بعض الأحیان یذکر بقوله: "وخلف نصر الدولة عند موته نیفاً وعشرین ولداً ذکوراً...وسنذکر من أعقب منهم وبقی نسله إلى الآن فیمن یتصل نسبه بنصر الدولة، ومن لم یعقب من أولاده لا حاجة لنا فی ذکره..."([22])، فاختصاره لیس فی التفاصیل فقط، بل حتى فی النصوص الشعریة مستخدماً لفظ "وأولها....([23]) .
وکذلک (ابن المستوفی) فی کتابه (تاریخ إربل) کقوله: "وذکر نحو أشیاء قد یطول ذکرها..."([24])، " بل وحتى النصوص الشعریة، وکان یقول: وأنشد قصیدة، على سبیل المثال لا الحصر، ویستخدم لفظ "وأولها....([25])"، "وفی هذا الجزء غیرها أبیات ردیئة أکثر من هذا ..... ترکت ذکرها واکتفیت بما أوردته منها"([26]).وأحیاناً یحدث التصرف فی النصوص والأحداث من صاحب المصدر فیتابعه الناقل منه وقد یشیر إلى ذلک.
وهکذا نجد مؤرخی العراق فی هذه الفترة لا یکتفون بالنقل الحرفی من المصادر، وإنما یضیفون إلى النصوص التی ینقلونها عن الکتب التی سبقتهم أو المعاصرة لهم، وقد یتابع تطور الحادثة أو المعلومة حتى عهده الذی یعیشه متعمداً فی هذه الإضافات على مشاهداته ومصادره المسموعة، وتلک الإضافات تشمل تحلیلات، ومناقشات، ومقارنات، واستدراکات یقوم بها بین الفترات السابقة له والفترة المعاصرة التی یعیشها، ثم یذکرون آراءهم من حیث صحة تلک الروایة التی ینقلونها من خطئها، کأن یقول "وصوابه کذا"، والأصح عندنا"، "والصحیح"...
کما نلاحظ حرصهم على ترجیح أصح الروایات المتناقضة، وجمیع معلوماتهم التی یوردونها فی مؤلفاتهم یستقونها من مؤلفات العلماء الذین سبقوهم فی نفس المجال الذی یتحدثون عنه؛ فاستطاعوا الجمع بین أفکارهم وأفکار من سبقوهم لیخرجوا فی النهایة بحصیلة علمیة واضحة فیکون مؤرخو العراق مقلدین لمن سبقهم من المؤرخین.
المطلب الثانی: تنوع المصادر والمواد التاریخیة
1. المصادر المکتوبة:
تعتبر هذه المصادر فی المرتبة الأولى التی اعتمد علیها مؤرخو العراق فی هذه الفترة، وتتمثل فی المصادر المدونة التی سبقتهم، وخاصة کتابات المؤرخین الذین تحدثوا عن تاریخ العراق، مع اعتمادهم على بعض المصادر الأخرى.
ولقد أشار المؤرخون لموضع الدراسة إلى المصادر الأساسیة التی اعتمدوا علیها فی کتبهم.
ومن أنواع المصادر التی اعتمد علیها مؤرخو العراق فی العصر السلجوقی واستفادوا منها:
أ- کتب التاریخ العام: حیث نالت هذه الصدارة بین المواد التی اعتمد علیها مؤرخو العراق، وذلک عند استعراضهم للحوادث العامة داخل العراق، وعلاقات الدول الخارجیة بالعراق، وفی مقدمتها:
- کتاب (فتوح البلدان) لأحمد بن یحیى بن جابر البلاذری (ت297هـ). وهو کتاب معروف طبع مراراً.
- کتاب (تاریخ الرسل والملوک) لأبی جعفر محمد بن جریر الطبری (ت310هـ)، وهو مطبوع طبعات متعددة من أفضلها طبعة محمد أبو الفضل
- کتاب (الأوراق) وکتاب (والوزراء ) لأبی بکر بن محمد بن یحیى الصولی (ت355هـ).
- کتاب (تجارب الأمم وتعاقب الهمم) لأبی علی أحمد بن محمد بن یعقوب المعروف بابن مسکویه (ت421هـ). قدمنا دراسة لذیله.
- (کتاب التاریخ) لهلال بن المحسن الصابئ (ت448هـ).
- کتاب (ذیل تجارب الأمم) لأبی شجاع الروذراوی (ت488هـ)
- کتاب (الکامل) لأبی الفوارس (ت491هـ).
- کتاب (تکملة تاریخ الطبری) لمحمد بن عبد الملک الهمذانی (ت521هـ).
- کتاب (مشارب التجارب) لأبی الحسن ظهیر الدین علی بن الحسین المعروف بالبیهقی (ت565هـ).
- کتاب (خریدة العصر وجریدة العصر) لمحمد بن عبد الرحمن الأصفهانی (ت597هـ).
- کتاب (المنتظم فی تاریخ الملوک والأمم) لأبی الفرج عبد الرحمن بن علی ابن الجوزی (ت597هـ).
- کتاب (الکامل فی التاریخ) لأبی الحسن عز الدین علی بن أبی الکرم بن محمد الشیبانی (ت630هـ).
ب- کتب التاریخ المحلی:
- کتاب (سیرة أحمد بن طولون) لأبی محمد بن عبد الله البلوی (ت270هـ).
- کتاب (فتوح مصر والمغرب) لابن عبد الحکم (ت275هـ).
- کتاب (تاریخ الموصل) لیزید بن محمد بن إیاس بن القاسم المعروف بالأزدی (ت334هـ).
- کتاب (التاجی فی أخبار الدولة الدیلمیة )لأبی إسحاق إبراهیم بن هلال الصابی (ت384هـ).
- کتاب (تاریخ دمشق) لأبی القاسم علی بن الحسن المعروف بابن عساکر(ت499هـ).
- کتاب (البرق الشامی)، وکتاب (الفتح القسی) لعماد الدین الأصفهانی (519هـ).
- کتاب (ذیل تاریخ دمشق) لأبی یعلى حمزة بن القلانسی ( ت555هـ).
- کتاب (تاریخ الفارقی) للأزرق الفارقی (ت577هـ).
- (زبدة الحلب من تاریخ حلب) لأبی القاسم کمال الدین المعروف بابن العدیم (ت660هـ)
ج- کتب التراجم:
- کتاب (الطبقات الکبرى) لابن سعد (ت230هـ)
- کتاب (التاریخ والطبقات) لخلیفة خیاط (ت240هـ)
- کتاب (جذوة المقتبس فی ذکر ولاة الأندلس) للحمیدی (ت488هـ).
- کتاب (تاریخ بغداد أو تاریخ مدینة السلام) لأبی بکر الخطیب البغدادی (ت463هـ).
أ- کتب الأنساب:
- کتاب (أنساب الأشراف) للبلاذری (ت297هـ)
- کتاب (الأنساب) للسمعانی أبی سعد عبد الکریم بن محمد بن منصور التمیمی (562هـ).
ب-کتب الحدیث:
- (المسند) لأحمد بن حنبل (ت241هـ).
- (صحیح البخاری) لأبی عبد الله محمد بن إسماعیل (ت256هـ).
- (صحیح مسلم) للإمام أبی الحسن مسلم بن الحجاج القشیری (ت261هـ).
- (الجامع) للإمام الترمذی (ت279هـ)
ت-کتب الفقه:
- کتاب (الأحکام السلطانیة)، کتاب (الإقناع) لإبی الحسن علی بن محمد البغدادی الماوردی (ت450هـ)
- کتاب (الشامل) لأبی النصر عبد السید بن الصباغ البغدادی (ت447هـ)
و- کتب الفرق:
- کتاب (الملل والنحل) لمحمد عبد الکریم الشهرستانی (ت548هـ).
ی- کتب فی الأدب والشعر:
- کتاب (دیوان الشافعی) أبو عبد الله محمد بن إدریس الشافعی (ت204هـ)
- کتاب (دیوان أبی العتاهیة) أبی إسحاق إسماعیل بن سوید العنزی (ت210هـ).
ابن الأثیر: التاریخ الباهر فی الدولة الأتابکیة بالموصل، تحقیق: عبد القادر طلیمات، دار الکتب الحدیثة، القاهرة، 1963م .