نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
قسم اللغة العربية، کلية البنات، جامعة عين شمس
المستخلص
الموضوعات الرئيسية
الروایة العراقیة واحدة من أهم الروایات التی انشغلت بها الساحة الأدبیة، المحلیة والعربیة، فقد لفتت أنظار الکثیرین من الدارسین والنقاد، الذین سعوا جاهدین لمعرفة أصول تلک الروایة، ونشأتها، وازدهارها، وربما – أیضا- نکستها.
یذهب بعض النقاد والباحثین إلى أن روایة "جلال خالد" للروائى "محمود أحمد السید" التی خرجت إلى النور فی عام 1928م هى أول روایة عراقیة([1]) ، والبعض الأخر یرى أن روایة "الدکتور إبراهیم" ([2]) التی کتبها الروائى "ذو النون أیوب" هى أول بواکیرها، والحق نقول: إن تلک الروایتین کانتا شرارة الانطلاق للرعیل الأول من کتاب الروایة العراقیة، فاستطاع جیل الثلاثینیات أن یکمل مسیرة انطلاقها، عبر أشهر أقلام کتابها فی ذلک الوقت، مثل: عبد الحق فاضل، شالوم دروس، أنور شاؤل، إضافة إلى محمود أحمد السید، وذو النون أیوب، -کما ذکرت آنفا- ذلک الجیل الذی استطاع أن ینزع ثوب الرومانسیة الخالصة الذی تمیزت به الروایة العراقیة آنذاک، وارتدى ثوب الواقعیة الذی استعان بشخصیات روایاته من واقع المجتمع العراقی، بکل همومه، وعاداته، ومآسیه التی کابدها خلال الحرب العالمیة الثانیة، فصور عبر تقنیاته، وأدواته الفنیة ما عصف بالمجتمع العراقی وقتها من أزمات طاحنة؛ إلا أن تلک الانطلاقة لم یستطع الجیل التالی لها الاحتفاظ بجذوتها، ووهجها، وهو عکس ما کان متوقعًا، ویعود ذلک لعدة أسباب، أهمها:
1- الحرب العالمیة الثانیة، والتی أضعفت بدورها الإقبال على القراءة الأدبیة.
2- الإغراق فی الواقعیة، والمبالغة الشدیدة بها، التی حولت الروایة من عمل فنی یقوم على مقومات وأسس فنیة، إلى مجرد خاطرة، أو مقالة مطولة ، تحاکى الواقع العراقی آنذاک، بصورة تخلو من الفنیة والخیال، مما ترتب علیه ضیاع التقنیات، والملامح الفنیة لذلک الفن .
حملت الروایة العراقیة - بشکل خاص- على عاتقها عبء تصویر ما مر به المجتمع العراقی لسنوات طوال، بدایة من عهد تحول نظام الحکم الملکی إلى الجمهوری فی الرابع عشر من یولیو 1958([3])، مرورًا بحکم الرئیس العراقی(صدام حسین) ([4]) ، ثم صدور قرار الأمم المتحدة بفرض الحصار الدولی على العراق، انتهاءً بغزو أمریکا للعراق فی مارس 2003م.
خلّفت تلک الأحداث الجسام وراءها وقائع، ومواقف لن تمحى من ذاکرة المواطن العراقی، کما خلفت –أیضًا- إبداعات أدبیة تضاهی فی تسجیلها للأحداث سجلات التاریخ العراقی الحدیث، وما کان لفن آخر غیر الفن الروائی أن یصبح جدیرًا بنقل ورصد کل تلک الأحداث، کما اشترک الروائی العراقی داخل العراق وخارجه ـ من أبناء المهجرـ فی عملیة الرصد الإبداعی لتلک الوقائع التاریخیة، وإن اختلفت الرؤى والمضامین التی منحتنا نتاجًا روائیًا غزیرًا.
مثلت الروایة العراقیة العدید من القضایا، والموضوعات التی أبدع الروائی العراقی فی سردها، وبیانها، سواء أکان العرض مباشرًا واضحًا، أم رمزیًا متخفیًا فی طیات الحکی، وهى قضایا تتمیز بالخصوصیة، والتفرد، بفعل التجربة السیاسیة العراقیة التی أضفت ملامحها الخاصة على الکتابة السردیة العراقیة، ومن أهم تلک القضایا التی قدمها الروائی العراقی فی سرده:
- قضیة الحصار والغزو الأمریکی.
- قضیة العنف.
- قضیة الصراع الحضاری.
أولًا: قضیة الحصار والغزو الأمریکی:
فی الثانی من أغسطس فی العام 1990م، قرر الرئیس العراقی السابق(صدام حسین) غزو الکویت، متعللاً بسرقة الکویت للنفط العراقی تارة، وعراقیة الکویت تارة أخرى، استغرق الهجوم عدة أیام لینتهی بفرض سیطرة الجیش العراقی على الأراضی الکویتیة بأکملها، وشکل حکومة (صوریة) برئاسة العقید(علاء حسین)، وذلک فی الرابع من شهر أغسطس 1990م، وحتى الثامن من الشهر نفسه، تحت اسم(جمهوریة الکویت)، واستمر الاحتلال العراقی للکویت قرابة سبعة أشهر، وانتهى بتحریرها فی 26 فبرایر 1991م.
وفی غضون تلک الأحداث السریعة، المتلاحقة، أصدر مجلس الأمن فی السادس من أغسطس سنة 1990 قراره بفرض عقوبات اقتصادیة على العراق؛ عقابًا له عما انتهکه بحق دولة مجاورة، عوقب شعب العراق بأکمله بهذا القرار الدولی، ومرت سنوات ذلک الحصار على العراق مرور العاصفة، التی لم تبق شیئًا فی طریق العراقی إلا واقتلعته، وفی ظل تلک الأحداث تجرع العراقیون مرارة الحاجة، والشعور بضیق الید، وفقد أدنى مقومات العیش فی عراق الحصار.
رصدت الروایة العراقیة فی عرضها لأزمة الحصار الاقتصادی الدولی عدة أزمات عصفت بالفرد العراقی، کان أهمها: (تدنی الوضع المعیشی للأفراد)؛ الذی أثر بدوره على جوانب عدة فی حیاة المواطن العراقی، فالوضع المعیشی الجدید الذی رافق العراقی کان جدیرًا برصده من جانب المبدع/الإنسان؛ فـ" الأدیب أو الفنان یجب ألا یعیش فی المجتمع ککائن طفیلی، أو شاذ، أو جبان، أو هارب، أو سلبی، أو مهرج ممسوخ، ولکن علیه أن یؤدی ضریبته، وأن یتحمل جانبًا من مسئولیة المعارک التی یخوضها الوطن والشعب، وأن علیه المشارکة فی تنمیة الوعی لدى الجماهیر القارئة، وأن یسهم فی حل مشکلاتها، وأن یدفع بها إلى النضال فی سبیل طریق جدید ومستقبل أرغد، إنه أصبح مطالبًا بتحویل أدبه إلى قوة فعالة تتأثر بحیاة الشعب فتؤثر فیه، وتعیینه على رفع مستواه الفکری والمادی([5])؛ وقد تجلت تلک القضیة فی عدة روایات، منها: (غایب)، (حلیب المارینز) و(قیامة بغداد).
ففی روایة (غایب) لــ (بتول الخضیری([6]))عرضت الکاتبة حیاة أسرة عراقیة متوسطة الحال، أفرادها هم: الزوج، الزوجة، ابنة أخت الزوجة، على مدار السرد الروائی تتخذ الکاتبة من المقارنة بین حال العراقیین قبل الحصار، وحالهم بعده مادة غنیة لإظهار مدى ما لحق بالعراقی جراء اقتطاع العراق من العالم، وعزله بفعل الحصار، فأبسط مقومات المعیشة (الکهرباء) " ستنقطع بعد قلیل لمدة ثلاث ساعات، زوج خالتی یرفض أن یشتری أمبیرات من أصحاب المولدات الخاصة؛ سعر الأمبیر الواحد المعروض فی السوق حالیًا ألف دینار، عشر أمبیرات تشغل المراوح فقط، والأربعون أمبیرًا یشغل الثلاجة والتلفزیون، وربما مروحة واحدة، کلما کانت خالتی تشغل مجفف شعرها کان المصعد یتوقف بین الطوابق، فینادى أحدهم:
یابیت (أبو غایب) طفوا السشوار الله یخلیکم، عصینا "([7])
کان انقطاع الکهرباء المستمر أکثر ما میز (عراق الحصار) فی فترة التسعینیات، فلم یعد بمقدور العراقی الحصول على ما یریده من الکهرباء أکثر من ساعات معدودات یستطیع بها قضاء - بعض- حاجاته، وبذلک أضحت الکهرباء عزیزة على العراقیین، تنبض بوجودها الحیاة، وتزهق بدونها روح العراق، وتغرق فی الظلمات حتى تعود ثانیة، واضطر العراقیون لمسایرة الوضع الجدید، والتکیف معه لشراء(الکهرباء)، ومولدات کهربائیة تعوض حرمانهم منها وقت انقطاعها، مما أشعر العراقی بالظلام والاستنزاف المادی والروحی طیلة الوقت؛ کما رصدت الکاتبة فی روایتها (غایب) عدة أزمات، کل أزمة نالت الکثیر من روح العراقی وفکره، ودمه أیضًا، فاضطر- بعض- العراقیین فی ظل الحصار إلى تغییر مهنهم؛ لعدم مقدرتها على سد الرمق، فنرى "الزوجة" ـ خالة البطلة- وزوجها یغیران مهنتیهما ، ویمتهنان مهنًا أخرى تکاد تکفی حاجتهما، فـــ" الخالة " قبل أن تصبح خیاطة "کانت معلمة ابتدائیة للأعمال الیدویة. وبعد أن کان أبو غایب موظفًا فی وزارة السیاحة ورسامًا هاویًا، أصبح متقاعدًا محترفًا، مثل بقیة زملائه"([8]) إثر ذلک دخل " زوج الخالة" فی مشروعات قلما تنجح وتعود علیه بالنفع، حتى استقر به المقام بتجارة عسل النحل " سیشتری سلالة من النحل، سیربیها لنعیش من عسلها "([9])
حتى المهن التی من المفترض أن تدر دخلًا مربحًا لأصحابها أغلق أصحابها أبوابها، واستبدلوها بأخرى لن تبور؛ فــ" اللحام " أحد شخصیات روایة (غایب) الذی " فتح محلًا صغیرًا لیس بعیدًا عن عمارتنا "([10]) کان " مهندسًا لم یجد عملًا فقرر أن یبیع اللحم، قال لی إن معظم المشاریع الهندسیة قد جمدت، لعدم وجود وسائل الصیانة "([11])، ومن أخطر الأزمات التی عرضتها بتول الخضیری فی الروایة نفسها أزمة (نقص الدواء)؛ فالحظر الدولی الذی وقع على العراق، وشعبه أوقف استیراد (الدواء)، وسلعًا أخرى أثّرت على صحة المواطن العراقی، وجعلته یستخدم الآخر المحلی ـ البدیل ـ لهذه الأدویة ذات المفعول الضعیف مقارنة بالمستورد ـ المحظور- ، ویظهر ذلک فی الحوار القادم بین البطلة " دلال " وجارها العم "سامی":
" مد یده فی القفص یحاول أن یلتقط إحداهما، فظلت أصابعه تلعب على أرضیة القفص باحثة ما بین شعب الفأرتین، تخبطت یده على الحدید کأنها ید رجل أعمى تبحث فی ظلمة، فجأة شهقت : " إنه أعمى بحق"، فی تلک اللحظة صاد(مخیخ) من ذنبه الوردی، ووضعه فی حضنه، راح یمسد له رأسه مثل صدیق عزیز، قال:-إنه مرض السکری، والأنسولین لم یعد متوفرًا فی البلد حتى ضرب المرض عینی، لم أعد أستطیع أن أمیز الألوان، صرت أرى الأشیاء خیالات، من أسود وأبیض فقط، أى لون تریدین یا دلال؟([12]).
لم تتبدل أحوال العراقیین الاقتصادیة والمعیشیة فقط جراء الحصار، لکن تبدلت ـ أیضًا- طریقة تفکیرهم، ومعالجة مشاکلهم، فحلت (الخرافة والجهل) محل(العلم)، وبظهور شخصیة " أم مازن " فی الصفحات الأولى من الروایة تتجه أنظار ساکنی العمارة نحو تلک الشخصیة، یلتمسون من خلالها الدواء(البدیل) لذاک الآخر غال الثمن، نادر الوجود، و" بمرور الزمن لم تعد عمارتنا عمارة الأساتذة، بل أصبح الناس یطلقون علیها عمارة أم مازن"([13])، وتتعدى شهرة (أم مازن) وعلاجها للحالات المستعصیة حدود العمارة، وتصل للأحیاء المجاورة، ویأتی الزبائن لها من کل حدب وصوب، فتلجأ إلیها الزوجات اللاتی عزف رجالهن عنهن؛ علها تعرف العلة وراء ذلک العزوف، فوصفت لهم(وصفات) بدیلة، کما نرى فی الحوار القادم بین (أم مازن) وإحدى السیدات:
" طلبت من شاربة الفنجان أن تنفخ فیه، وتذکر الموضوع الذی جاءت من أجله، قامت أم مازن بوضع یدها على الفنجان لتحبس فیه همسات السیدة، اختفى الفنجان تحت ید(مدبدبة)، وکانت الرصعات ما بین الأصابع تجعلها أشبه بید مراهق سمین.
فتحت فمها:
-یقول الفنجان إنک تعبانة من موضوع خاص له علاقة بزوجک، إنه لم یعد یقترب منک أو یتقبلک، صحیح؟
سارعت السیدة تجیبها:
-صحیح جدًا. ماذا أفعل؟
-یجب أن تصبری؛ فهذه لیست أول مرة یرفضک فیها زوجک.
السیدة تنفعل:
-کان رائعًا معی حتى ضیق علینا الحصار، بعد ذلک أخذ یهملنی تمامًا، عندما أکلمه یدیر وجهه إلى الجهة الأخرى.
سألتها أم مازن بنبرة جدیة:
-هل جربت حجاب المحبة؟
..........................................................................................
-مشکلتک سهلة ولا داعی لطرق أبواب السحرة، الفنجان یرینی إناء من شای معتق وقطرتین من لبن حامض، هذه هى رائحة نفسک، متى هى آخر مرة قمت فیها بتفریش أسنانک؟
أحنت السیدة رأسها بخجل:
المعجون غال یا أم مازن، المستورد مستحیل، والمحلی مثل دهن السیارات"([14]).
یلاحظ من الحوار السابق معرفة المرأة (صاحبة المشکلة) علة عزوف زوجها عنها؛ وذلک من خلال وصف السارد لها بعبارة (أحنت السیدة رأسها بخجل)، ومعرفة السیدة ـ کذلک - العلاج، لکن ارتفاع سعره هو ما جعلها تذهب لــ" أم مازن" علها تصف لها وصفة أرخص سعرًا.
وتطرقت بتول الخضیری فی روایة (غایب)-أیضًا- لمشکلة المرأة التی توفى عنها زوجها، أو أسر فی الحرب، فعرضت احتیاج المرأة العاطفی للرجل فی ثنایا الروایة، وهى مشکلة خطیرة، ما کان للکاتبة أن تغض الطرف عنها، کما یبدو فی الحوار القادم بین "دلال" و"خالتها" :
" الوحدة صعبة یا دلال، الحروب خطفت الکثیر من الرجال، زبوناتی یشکین من ذلک، إحداهن اعترفت لی أنها لشدة وحدتها تحب أحیانًا أن تتخیل أن ستارة غرفة نومها عندما تعبث بها نسمة هواء تصدر حفیفًا هادئًا یجعلها تغمض عینیها؛تتخیل أن هذا الحفیف دشداشة زوجها القادم فی ظلمة الغرفة إلى فراشها، مع العلم أنه توفی قبل سنوات عدیدة "([15]).
مشکلات عدیدة، اقتصادیة، اجتماعیة، إنسانیة، قدمتها الکاتبة (بتول الخضیری) فی روایتها (غایب) وهى ـ وإن کثرت، وتعددت ـ فلن تصف إلا القلیل من حیاة شعب بأکمله، ومعاناته مع سجن الحصار.
انتهت سنوات الحصار الدولی على العراق بقرار أشد وطأة، وصعوبة على العراقی، فما کان للحصار أن ینتهى دون دخول (الجیش الأمریکی) العراق فی العشرین من مارس 2003م، وتمکنت أمریکا بوسائلها المشروعة، وغیر المشروعة من إقناع – بعض دول العالم- بامتلاک العراق لأسلحة الدمار الشامل، ورغم تقاریر المفتشین الدولیین التی أکدت خلو العراق من هذه الأسلحة، استطاعت أمریکا إقناع الکثیر بوجود علاقة قویة بین النظام الحاکم بالعراق، وتنظیم القاعدة الإرهابی، الذی نال من أمریکا بضرب برجی التجارة العالمیین فی العام 2001م، هذا الحدث الذی اتخذت منه أمریکا ذریعة قویة لتغییر خارطة العالم (العربی) تحدیدًا.
احتلت القوات الأمریکیة العراق بشکل مفاجئ، وسریع، بدأ أولًا بدخول تلک القوات أطراف العراق، ومقاومة الجنوب لها، وذلک فی العشرین من مارس 2003م، وفی غضون الشهر سیطرت أمریکا على العراق بـکامله بسقوط (بغداد) عاصمة الرشید، دون قتال، لتطوى بذلک سنوات الحصار، والدیکتاتوریة، وتبدأ سنوات الاحتلال والدم.
أحدث الاحتلال الأمریکی للعراق انقلابًا، وتغییرًا على الصعیدین الغربی والعربی؛ فالغرب ما کان له أن یشترک فی صفقة احتلال العراق دون أن یضمن نصیبه من خیرات العراق، فباتت الترکة العراقیة موزعة على أمریکا، وبریطانیا، والدول الأخرى التی أیدت القرار الأمریکی بغزو العراق، أما التغییر العربی فکان على مستویین، عام وخاص، (العام) یکمن فی إدراک رؤساء، وزعماء البلاد العربیة الدرس الذی دفع ثمنه العراقیون من دمهم، وحریتهم، والتمثیل بقادتهم، و(الخاص) بتغییر تفکیر العراقی، ونظرته للأمور، وضرورة مسایرته لتلک الأوضاع الجدیدة، والتعایش معها، وما کان للروائیین ـ آنذاک- إلا أن یسجلوا فی روایاتهم ما آلت إلیه الأوضاع السیاسیة بالعراق؛ فسجل الروائی العراقی کل ما مر على العراق من أحداث متلاحقة، تارة بعین الأسف على ما مضى، وتارة أخرى بعین الرضا، ولا شک أن الانتماء السیاسی والحزبی للأفراد، ومدى قربهم أو بعدهم عن السلطة الحاکمة، وبطش الحاکم بالمحکوم أو ثنائه علیه هو ما جعل نظرة المبدع العراقی تختلف من روائی إلى آخر، واختلف مع تلک النظرة الرؤیة والمضمون.
صَدَّرَت روایات تلک المرحلة الزمنیة (1990م: 2011م) للقارئ العربی- على اختلاف جنسه وموطنه- صورًا، وقضایا عدیدة ما کان للمبدع أن یتجاهلها، أراد من خلالها أن یرسل رسالته الاحتجاجیة للعالم أجمع، واستطاع الکثیر من الروائیین العراقیین أن یجوب العالم بفنه، وأدبه؛ وذلک عن طریق مهاجری العراق، ومبدعیه القاطنین فی دول العالم الغربی، أو من خلال نزوح من العراقیین للدول العربیة المجاورة، فأخذت الروایة العراقیة بالانتشار فی جمیع الأقطار، وجابت دول العالم طولًا وعرضًا، شرقًا وغربًا، وأصبح لها وجود، ومکانةً لا یستهان بهما، عقب ما لحقها من جمود وثبات بفعل الحصار و ظروفه.
قدم الروائی العراقی (قضیة الغزو الأمریکی) من خلال مواقف وأحداث عایشها العراقی، سواء أکان داخل العراق أو خارجه، من خلال ما تناقل إلى سمعه بفعل وسائل الإعلام، والصحافة، أو ما تداوله العراقیون المهاجرون من العراق للدول القاطن بها مبدعو العراق، وقد آثر بعض الروائیین العراقیین طرح فکرة فهم الغرب، وإدراکه لأطماع أمریکا بالمنطقة العربیة، والعراق على وجه التحدید، وقد قدم الروائی (عواد علی([16]) فی روایته (حلیب المارینز) وجهة النظر تلک من خلال شخصیة " نتالی" الصدیقة الفرنسیة للأسرة العراقیة حینما أعربت عن رأیها فی موقف أمریکا من حربها على العراق، تقول " نتالی" :
" إن الاحتلال کان سیقع فی جمیع الأحوال؛ لأن أمیرکا حین ترسل جیشها إلى مکان ما لا ترسله للنزهة، ولو حدث أن تخلى الرئیس عن السلطة، وترک البلد للجأت إلى إشعال نزاعات دمویة بین مکوناته لتسوغ لنفسها احتلاله، إلا أن عشتار کان لها رأی آخر، فقالت:
-أنا لا أتفق معک، بل ربما کانت ستشکل حکومة عمیلة لها تحقق أهدافها.
-أنتِ إذًا لا تعرفین أمریکا جیدًا، انظری إلیها ماذا تفعل الآن فی بلدکم؟ لماذا تترک أعرق رموز حضارتکم للنهب والتدمیر، إن لم یکن لها ید فی ذلک أصلًا؟ ثم تأتی لتقول ببراغماتیة سخیفة: إن أعمال النهب مرفوضة، وهى رد فعل طبیعی لسنین من القمع!!!
قلت:
-هل هذا یعنی أن أمیرکا وحدها تتحمل جریرة ما یحدث من فواجع؟
-خذها عن لسانی یا سامر إن المارینز لم یدخلوا بغداد حاملین مشعل الحریة، ولم تذهب أمیرکا إلى العراق کی ترضع شعبه من ثدیها المدرار بالحلیب المجانی، بل لتهبه صندوق باندورا المشؤوم"([17]).
یکشف الحوار السابق بین عراقی المهجر، والأصدقاء الغربیین مدى إدراک الغربی، والعربی لما یمر به العالم من أحداث تجعله لا یکتفی بالمشاهدة وحدها، لکنه یرصد، ویحلل ـ أیضًا- ما تناقلته حواسه، إذ لم یغفل الروائی العراقی حدثًا أو موقفًا إلا وسارع بخطه فی روایته، فکانت أولى مشاهد الغزو الأمریکی للعراق متمثلة فی" حل الجیش العراقی"؛ وذلک حتى یسهل الأمر على الغازی الأمریکی، ویتمکن من بسط سیطرته على أرض العراق، هذا المشهد نراه فی روایة ( قیامة بغداد ) للروائیة (عالیة طالب الجبوری([18])) والتی دونت فی روایتها یومیات صحفیة، وأسرتها عایشت الحصار والاحتلال الأمریکی لبلادها، ومرت بما مر به العراقی داخل العراق، واضطراره نهایة الأمر ترک العراق، وهجرته لبلد عربی آمن، یستطیع من خلاله إیصال أصوات العراقیین الجریحة للعالم، فتسرد بطلة روایة (قیامة بغداد) ما لحق بالجیش العراقی جراء الاحتلال الأمریکی له قائلة:
" کان الجیش العراقی کثیرًا ما یقوم بتمرینات القفز للنهر من فوقه، وفی الشتاء القارص البرودة کنت أشهد قفز الشباب المجندین إلیه، وتجمع أهلهم تحت الجسر لیشهدوا کیف یصبح أبناؤهم أبطالًا، وکلما رأیت ذلک التدریب کلما کانت دموعی تنزل من شدة التأثر، ولم أکن أدری وقتها أننی کنت أبکی فقدانهم وتلاشیهم وإقصائهم من وجودهم کجیش حقق منجزات لا تحصى، بمعارک عربیة، وإقلیمیة، ومصیریة، ثم رکنه "بریمر" القائد الأمریکی المحتل، واعتبره جیشًا ینبغی القضاء علیه لأنه مرتبط بالنظام السابق، ولابد من حرق کل مراحل ذلک النظام، وکل مؤسساته العسکریة والأمنیة، فکک الجیش الأمریکی معسکرات الجیش العراقی بکل ما تحتویه من ثروات وأجهزة ومستشفیات ومعدات متطورة، وحولها إلى خردة مبعثرة على قارعة الطرق إمعانًا فی إذلالنا، وإشعارنا أن لا جیش لدیکم لیدافع عنکم، ألغى "بریمر" وزارتی الدفاع والإعلام، واعتبرهما وزارتین تشکلان تهدیدًا حقیقیًا للاحتلال، وضاعت حقوق جمیع منتسبی الدفاع والداخلیة والأمن والاستخبارات والمخابرات والإعلام، آلاف العوائل لم تعد تدری ماذا تفعل وکیف تعیش "([19]).
افتتحت " الساردة " حدیثها عن الجیش العراقی بتصدیرها لمشاهد تدریبه، وقوته، من خلال وصف(تمرینات القفز) فوق النهر، وبیان مدى فخر العراقیین بأبنائهم المنتسبین لهذا الجیش القوی من خلال (تجمع أهلهم تحت الجسر لیشاهدوا کیف یصبح أبناؤهم أبطالًا)، وکان حتمًا على الکاتبة تصدیر حدیثها عن جیش عراقها بتلک العبارات القویة، قبل الدخول فی تفاصیل ما آل إلیه الجیش العراقی حدیثًا؛ وفی هذا التصدیر تأکید على حمل الروائی العراقی رسالة ضمنیة داخل سرده ینقلها بفنه للعالم أجمع، وقد تطرقت الساردة فی عرضها لاستخدام أمریکا (السلاح النفسی) فی تعاملها مع العراقیین، وذلک حینما ألقت القوات الأمریکیة بــ" الخردة المبعثرة على قارعة الطرق"، ولعل ما یثیر انتباه القارئ فی الفقرة السابقة إیثار الساردة استخدام (نا) الجمع والملکیة فی الآن ذاته، متمثلة فی: (إذلالنا، إشعارنا) وفی هذا تأکید على أحادیة العراق، وأنه لا یزال کتلة واحدة (تجمع) أطیافه جمیعًا أولًا، والاعتداد، والاعتزاز بالجیش العراقی السابق، حتى وإن أمسى خردة مبعثرة لا تنسى بطولاتها ثانیًا.
ولم یقتصر الأمر على استخدام أمریکا (السلاح النفسی) – فقط – من قبل المحتل الأمریکی؛ فاستخدمت فی حربها – غیر المتکافئة – أسلحة محرمة دولیًا، ولم یحرک العالم ساکنًا تجاه ما یحدث من جرائم – یومیًا – بحق الإنسانیة، وتفیض الساردة – فی الروایة نفسها – الحدیث عن أوضاع العراق الذی آل إلیه بفعل الاحتلال، قائلة:
" انتشرت أمراض سرطانیة عجیبة، وأمراض أخرى بیننا، والأسباب نعرفها جیدًا، لکن ضمیر العالم یسکت عنها، ولا أحد یسأل أمریکا عن کل الأسلحة المحرمة التی قصفنا بها، والتی بحجتها دمر بلدنا، لکی یبحثوا عنها لدینا، وحتى حین أعلن رسمیًا عدم وجودها لم یسأل ضمیر العالم ولم یحاسب أحد بریطانیا ولا أمریکا، ولا کل من تجحفل معهم من دول أوروبیة وعربیة، لماذا فعلتم هذا إذن بالعراق؟ وإن کانوا یریدون تبدیل النظام فلماذا یدمرون بلدنا إذن؟ لماذا یزرعون الفتنة إذن؟ ولماذا ینشرون الموت والإذلال؟ ولماذا ماتت أختی بالسرطان ـ وهى فی مقتبل عمرها ـ دون أن تجد دواءً أو رعایة تکفل لها علاجًا یشفیها؟ کانت نادیة أصغرنا، وبقیت تصارع مرضها بصمت وإیمان وهى تودع صغارها بنظرات حنونة، وحین ماتت ماتت بهدوء کما تحملت أوجاعها بهدوء حملناها إلى کربلاء، ونحن لا ندری إن کنا سنعود من هناک أم لا"([20]).
أعدت أمریکا، والدول الصدیقة لها وعلى رأسها بریطانیا عدتهم لغزو العراق، وهیأت الفرصة لاستباحته، ولم تقتصر السرقة، والنهب على الأملاک(العامة) الوطنیة فقط، بل تعداها إلى القصور، والبیوت التی ترکها أصحابها بعدما دخلت القوات الغازیة العراق " فتحت أبواب تلک البیوت للعامة، تدعوهم لدخولها وسرقتها، ودخل من دخل من أفراد، عاشوا طوال حیاتهم محرومین من رؤیة وتملک وتلمس معنى الترف الحقیقی، سرق المحرومون مقتنیات المسؤولین وشرکاتهم ودوائرهم ومکاتبهم بمبارکة أمیرکیة، فیما تقف الدبابات بأبواب تلک الأماکن لتهیئ للمحرومین عملیة سرقة منظمة ومحروسة من قبلهم، وتلتقط وسائل الإعلام الغربیة المرافقة لتلک القوات صورًا حیة لهذه الظاهرة، وتصورها وتبثها لکل العالم لتقول: هذا هو العراقی، انظروا ماذا یفعل، وکیف أغفل وجود الاحتلال فی مقابل أن یحتل هو أملاک وقصور النظام السابق، ودخل السارقون إلى غرف نوم المسؤولین، وإلى القصور الرئاسیة، ونهبت ملابس الوزراء، ورئیس ذلک النظام، وتباهى من لبسها أنه یلبس حلة الرئیس السابق أو الوزیر الفلانی، وبدأت الشعارات تعلو أسیجة تلک الدور وهى تقول(عاد الحق لأهله)([21]).
لم تستثن الساردة أحدًا فی جرائم النهب، والسرقة التی لحقت بالعراق وأهله؛ فبعض العراقیین اشترکوا فی تلک التجاوزات المخطط لها مسبقًا بمبارکة أمیرکا، مهیئة الفرصة لتلک الممارسات المقصودة؛ للتشهیر بالعراقیین أمام شاشات التلفاز العربیة، بهدف: تحول نظرة التعاطف، والشفقة تجاه العراقیین إلى أخرى مخزیة، متدنیة أولًا، ثم إبلاغ رسالة للعالم أجمع مفادها أحقیة هذا الشعب مما یحصده من أفعال، وممارسات حاکمیه فی السابق ثانیًا، وأخیرًا التقلیل من قیمة العراقی أمام ذاته، وإشعاره من خلال النقل المباشر لتلک السرقات، والنهب بدنو مکانته، وذهاب هیبته وعزته.
ثانیًا: قضیة العنف:
لا یُعدّ العنف مصطلحًا حدیثًا، واردًا على ثقافات الشعوب؛ فمنذ بدء الخلیقة شهد الإنسان جرائم عنف، ووحشیة أنهت علیه وعلى ذویه، فمن منا لا یذکر قصة ولدی آدم علیه السلام، وبلوغ العنف أقصى صوره حینما استباح الأخ دماء أخیه، وروحه، وتکرر الحدث نفسه مع أبناء یعقوب علیه السلام، حینما ألقى الإخوة بصغیرهم فی غیابات الجب، وبیعه بعدما أرادوا قتله، وما شهده العرب الأوائل من أعمال عنف، واقتتال لعقود طوال، وصراعات دول أوربا فی عصورها الوسطى المظلمة، وما تخلل تلک الصراعات من أعمال عنف دامیة، وعنف تلک الدول-نفسها- مع شعوب العالم العربی، ورغبتها فی السیطرة، والهیمنة، وما صاحب ذلک من انتهاکات، وتجاوزات نالت من الإنسان، وإذا أمعنا النظر فی تلک الجرائم، وأسبابها، وما تضمنته من عنف، وتجاوزات- مادیة ومعنویة ـ لوجدناها تقوم فی أساسها على الاستحواذ لکل ما یمتلکه الآخر، ونظرته الدونیة الاستعلائیة التی حصرت کل تفکیره، وآماله فی (الهیمنة) على ما لا یملکه الآخر، وفعل کل ما یخرج من یدیه مشروع وغیر مشروع فی سبیل الحصول على ما یرید.
لم یکن الغزو الأمریکی للعراق البدایات الأولى لـ " العنف " المشهود فی بلاد الرافدین؛ فأول ما طبع فی ذاکرة الفرد العراقی من مشاهد للعنف کانت مشهد "استشهاد الحسین " علیه السلام بمدینة کربلاء، والصراع على الحکم، وطغیان الحجاج، وحکم المنصور بالدم والنار، والرشید وعنفه مع البرامکة أصحاب النفوذ والطموح، وصراع أبناء الرشید حول الحکم، وجرائم هولاکو وتیمور لنک المدونة فی کتب التاریخ ولا ینکرها منکر.
وحدیثًا، کانت حصة العراقی من (العنف) تکفیه، وتفیض عن حاجته؛ فبذور الطمع، والتملک أینعت شوکًا، طالت وخزاته کل عزیز وغال؛ فأطماع حکام العراق، وساسته ـ هم أیضًا- أودت فی نهایة المآل لکل تلک الأحداث المأساویة، التی لا یزال العراقی یعیش تبعاتها حتى هذه اللحظات.
قدم الروائیون العراقیون صورًا متنوعة لــ" العنف " بالعراق، وخاصة فی الروایات الصادرة فی الفترة من: 1990م وحتى: 2011م، وقد لوحظ تکثیف المبدع العراقی فی سرده على عنف الحصار وتداعیاته، إزاء عنف النظام العراقی السابق، والعنف الأمریکی فی العراق، وانتهاکاته؛ وقد عکست الروایات العراقیة الصادرة فی فترة التسعینات صورة حیة لعراق الحصار، ومعاناة العراقی المعیشیة، وتضحیاته فی سبیل الحصول على ما یعینه على الحیاة یومًا بیوم، وقد ظهرت تلک القضیة فی روایة: (غایب)، (مقامة الکیروسین)، (مجانین بوکا)، و(أموات بغداد).
لقد شهد (العراق) فی تلک السنوات العصیبة أعمال (عنف) وتخریب من قبل أمریکا، وقوات التحالف الدولیة، عقابًا للعراق على غزوه لـ "الکویت"، وامتلاکه أسلحة الدمار الشامل ـ کما أشاعت أمریکا- فألقت ومن معها من قوات تحالف دولی بصواریخها، وقذائفها على شعب العراق، وجریمة قصف " ملجأ العامریة "، فی 13 فبرایر 1991م واحدة من جرائم عنف، وانتهاکات أمریکا فی العراق زمن الحصار الدولی، وقد تعللت قوات التحالف الدولیة ـ فیما بعد - بقصفها الخطأ للملجأ بأن المقصود "مراکز قیادیة عراقیة "، وقد کان " ملجأ العامریة " وقتها مخصصًا لاحتماء العراقیین القاطنین فی تلک المنطقة (العامریة)، مجهزًا ببعض التجهیزات المعینة على الحیاة لبعض الوقت، وقد راح ضحیة ذلک القصف " أکثر من أربعمائة مواطن، من رجال ونساء، وأطفال. أم علی، لقد قصفوا ملجأ العامریة فی الساعة الرابعة والنصف بعد منتصف اللیل، قذیفة اللیزر نسفت بوابة حدیدیة ثقلها ستة أطنان، تبخر الجالسون بفعل حرارة بلغت درجتها عدة آلاف درجة ولدها الانفجار"([22])، ولم تتوقف جرائم قوات التحالف الدولی آنذاک عند حد قصف " ملجأ العامریة " فقط، بل تعددت تلک الجرائم، بصور مختلفة، متکررة، من ذلک قصف مدینة " البصرة "، ففی " بدایة الحرب قتل الکثیر فی منازلهم، والکثیر من الأهالی مات مختنقًا بسحابات الدخان، لقد غطى التلوث فی هذا الموقع وحده أکثر من میل مربع ونصف، فقضى على النباتات، والحیوانات، متسربًا إلى المیاه الجوفیة "([23])، وقد آثر الروائی العراقی (التسجیل التقریری) فی رصده لتلک الأحداث الدامیة، معتمدًا فی ذلک على بیانات عسکریة، أو صحفیة؛ تمکنه من رصد أعمال العنف بشکل رقمی، إحصائی یسهل على الذاکرة الاحتفاظ به، واستدعاءه وقت الحاجة، لذا یلاحظ ورود مثل تلک الأحداث فی الإبداعات الروائیة بشکل سریع، مقتصر، مکثف وموجز.
أما " العنف " السلطوی العراقی فقد اتصف بــ (السرد التفصیلی) الدقیق، یستدعی الراوی من خلاله لأحداث، ووقائع عایشها الکثیر من أبناء العراق أولًا، ویخاطب بها الأجیال التی جاءت لاحقًا بعد تلک الأحداث ثانیًا، یسرد علیها ماضیها الذی لم تعشه، مطالبًا إیاها بحفظ ذلک التاریخ من الضیاع والشتات. والعنف فی العراق یتصف بأنه " ذو أبعاد اجتماعیة، بنیویة تتصل بالمستوى الثقافی، والفکری للجماعة لا بالأفراد "([24])، ومن بین تلک المشاهد العنیفة التی استدعتها الذاکرة الروائیة مشهد دفن " باص صغیر" ضمن أحداث روایة "مقامة الکیروسین"، فیسرد السارد هذا الحدث وصفًا مسهبًا، قائلًا:
" فی یوم لیس ببعید عن تلک الأیام حَملت برقیة للکائن السماوی شخصیًا خبرًا مفاده أن ثلة من أعداء الثورة تحدوا الحظر غیر المعلن على زیارة قبر أحد أولیاء الله الصالحین...لماذا الحظر؟ هذا لیس مهمًا الآن، المهم جاء جواب الکائن السماوی سؤالًا: ما عددهم؟ فأبرق الجواب یقول: عددهم لیس کبیرًا سیدی ..لا یتجاوز عدد رکاب باص صغیر، والباص الآن فی طریق عودته من الزیارة، فتشیع على الفور أثیر البلد بالزمجرة البهیة الخالدة فی أدبیات الحزب والدولة، تلک التی لا یخطئها حتى أکثر العناصر الأمنیة غباء بعد سماعها وعلى الفور أیضًا تولى القائد المیدانی الأمر: أوقف الباص فی نقطة من الطریق جرداء أرضها، لا شهود فیها سوى أسراب من الملائکة کن یخطرن عرضًا، ثم صدرت الأوامر واضحة: لا أحد یهبط من الباص، ولمزید من الاطمئنان أحکم غلق أبواب الباص بحبال غلیظة، وإذ فرغ المکلفون بإحکام غلق الأبواب من واجبهم المقدس، زأر محرک الجرافة المرافقة للموکب الأمنی تحفر حفرة تکفی لإخفاء باص صغیر عن أعین کل من یقف على وجه الأرض، وبالإشارة أومأ القائد المیدانی لسائق الباص أن قد باصک إلى داخل الحفرة، ومن حسن حظ القائد کان السائق لبیبًا یفهم الإشارة وإلا لأضطر الأول إلى فتح باب السائق على الأقل لکی یفهمه ماذا یقصد الإجراء الذی کان سیؤخر إنفاذ الواجب ربع ساعة فی الأقل ........الجرافة ابتدأت فعلًا بردم الحفرة، وکان مصور یجلس لصق سائق الجرافة یصور من علیائه تلک اللحظة "([25]).
وصف النص السابق عملیة إیقاف (الباص)، وردمه وصفًا دقیقًا، سینمائیًا، فحدد السارد أولًا کیفیة إبلاغ (الکائن السماوی) بخبر الباص، وحدد أداة التبلیغ بــ"البرقیة" ،کما تم تحدید الفئة (المتمردة)، وعددها؛ ولم یذکر السارد مذهبهم، لکنه ألمح إلیهم من خلال الفعل الذی قاموا به، وهو (زیارة قبر أحد أولیاء الله الصالحین) مُصدّرًا وصفهم بــ" أعداء الثورة "، والعدد محدد بــ" لیس کبیرًا سیدی لا یتجاوز عدد رکاب باص صغیر"، وتولى السارد – کذلک – وصف عملیتى التحفظ على (الباص) وردمه وصفًا (محکمًا) بــ "حبال غلیظة "، وقیاس مدى اتساع الحفرة وملاءمتها لحیز(الباص)، وإن دلت تلک الدقة الوصفیة من قِبَل السارد\ الروائی فإنما تدل على مدى حرصه الکامل على نقل معالم المشهد المأساوی نقلًا حرفیًا؛ لیوثق من خلال عمله الإبداعی تاریخ العراق، وخاصة تلک التی تزاحمت بعضها فوق بعض، وذلک حفظًا لها من الضیاع والتلف، فإن أتلفت سجلات التاریخ الحدیث، ومُحت أحداثها، فسوف یظل الفن باق ببقاء مصداقیته وأمانة نقله.
وفی الروایة نفسها یتعرض الروائی لحادث الدجیل([26])، وکیفیة تعامل السلطة الحاکمة مع مجموعة أفراد تسکن قریة صغیرة، حاول بعضهم الانشقاق، واغتیال رئیس النظام، فکان العقاب جماعی، ویرى (هربرت مارکیوز)([27])" أن الفئات التی تنخرط فی العنف هى تلک الجماعات التی تعیش على هامش النظام، أی التی تخضع بصورة کاملة لآلیاته، وهى تلک الجماعات التی سوف تمتلک القدرة على المواجهة للإطاحة بآلیات القهر والسلطة"([28])، وفی هذه الحادثة تتعرض قریة (الدجیل) ـ التی فشلت بها عملیة الاغتیال- لأبشع صور التعذیب، والإبادة لکل ما هو حی، یتنفس، ویصف السارد إحدى عملیات تعذیب المعتقلین بمبنى المخابرات العامة إثر تلک الحادثة، فیقول:
" بعد أول صفعتین متلاحقتین من یمین الضابط ویسراه وجد حسین حمد نفسه یتهالک إلى الأرض، ویتکور؛ إذ حشر رأسه بین ساقیه المنثنیتین، الملتصقتین بصدره وشبک ذراعیه فوق هذا التکوین وطفق متوسلًا...الله یخلی أولادک أستاذ...إن شاء الله ما یخدوهم الشرطة ویضربوهم...لا تضربنی أستاذ الله یذبنی بالنار إذا أکذب ....شلون تریدنی أکذب... أستاذ الله یخلیک ما أعرف أکذب، فکفت یدا الضابط عن الصفع لتتولى قدماه الأمر، فصار یرکله، یرکل الکرة وهو یصرخ بصوت أقرب إلى العواء: ما تعرف تکذب ابن.....؟ تعلّم...تعلّم ابن الزنا تعلم، بعد هذه الکلمات وربما بعدها بالذات إنهار التکوین الجنینی، فلم تعد الکرة کرة، فلقد أخذ بجسد الصبی تشنج بُغت الضابط وطاقمه: امتدت ساقاه على طولهما وانخرطتا ترتجفان مثل سعفتین تمسک بهما ریح مجنونة، وانقذف جذعه ورأسه إلى الوراء تهزهما الریح ذاتها، بینما انتشت ذراعاه إلى أعلى، وانقبضت کفاه تضغطان بعنف على راحتیهما کأنهما تضغطان على عنق الیوم الذی وُلد فیه، وفی ثوان طفح زبدٌ على جانبی فمه، ثم...ثم...أقلعت الریح ومعها أقلع وعی الصغیر تارکًا وراءه جسدًا مهددًا یغط فی نوم عمیق" ([29]).
حینما قررت أمریکا دخول العراق، وأعلنت أسبابها للعالم کله مبررة دخولها إیاه، کان أحد تلک الأسباب (المعلنة) القضاء على الدیکتاتوریة التی انغمس بها الشعب الشعب العراقی، وعانى ویلاتها؛ لینعم العراقی بحریته التی سُلبت منه منذ عقود، دخلت أمریکا العراق حاملة على أعناقها شعار(الحریة) "وتعد أقسى أنواع الهیمنة تلک التی تتم تحت شعار "الحریة "، إننا أمام أحد أقنعة " الهیمنة " المحکمة، التی یکون الإنسان فیها مقهورًا، فی الوقت الذی یبدو فیه حرًا"([30])، لکن سرعان ما أسقطت أمریکا قناعها، وظهرت بوجهها الحقیقی، طامعة فیما یملکه العراق من نفط، وثروات أخرى خُطط لاستغلالها، والهیمنة علیها جیدًا.
وفی إطار تلک الخطة الموضوعة، المحسوبة بدقة من قبل أمریکا لفرض هیمنتها على العراق، وأهله تعاملت القوات المحتلة للعراق مع العراقیین بعنف، وعدائیة؛ محاولة ترویض ذلک الشعب الذی وقع ضحیة الحریة المزعومة، ومن أکثر صور (العنف) انتشارًا وذیوعًا کانت الزج بالعراقیین فی معتقلات مصنوعة بأید أمریکیة خالصة، عٌوقب بها کل من سوّلت له نفسه بمعاداة النظام (الجدید)، أو الاعتراض على أحد قراراته، و(بوکا) أحد أهم تلک المعتقلات التی صنعها الاحتلال فی العراق" لم یکن ذلک المعتقل عادیًا مثل بقیة المعتقلات، بل أقیم مؤقتًا من الخیام، والکارفانات، والکامبات، وأکیاس الرمل، والأسلاک الشائکة، والحاویات الحدیدیة؛ لذا یستحیل علیّ أن أحدد المکان فی صحراء مترامیة الأطراف، تتیه فیها حتى الجمال العملاقة، وخبراء الصحراء والمهربون المحترفون، وصیادو الصقور، فکیف بنا نحن البسطاء؟ "([31]) .
(بوکا) معتقل کبیر، تدور فیه أحداث روایة (مجانین بوکا)، قدم فیها (شاکر نوری)([32]) مشاهد عنف دمویة متنوعة، ابتکرتها القوات الأمریکیة فی استجوابها، وعقابها للمعتقلین الذین لا ذنب سوى أنهم أبناء هذه الأرض، تفنن الخیال الأمریکی فی تعامله مع العراقیین، وابتکر کل ما هو جدید فی عالم الاستجوابات، وفی الفقرة القادمة یستعرض سارد الروایة (العنف) الأمریکی تجاه العراقی :
" ولم یکونوا یترددون فی عرض وحشیة کلابهم أمام السجناء من أجل تخویفهم أکثر فأکثر، فهى الخطة الأولى التی یبثون فیها الرعب فی قلوبنا، وقبل أیام قاموا بنصب حلبة وسط الکارفانات، وجاؤوا بکلب شهیر بوحشیته، وأطلقوه على غزال صادوه فی الصحراء، فأکله الکلب وهو حی، وراح یلعق عظامه، وهناک کلب أکل نصف وجه أحد المعتقلین، وعظام وجهه بارزة دون خد، عندما وضعوا هذا الکلب معه فی (البوکس) عقوبة قصوى أن یوضع السجین (البوکس) ومعه الکلاب، هو وحظه ، فإن أیة حرکة منه تثیر الکلب، وتعرضه للهجوم علیه!!! کان على السجین أن یتکیف مع غرائز الکلب، ویحرص على عدم إثارته، ومن أجل أن یجعلوا کلابهم متوحشة، یقوم الجنود المدربون بربط کلابهم ومنعها من الأکل لمدة ثلاثة أیام، وینهالون علیها بالضرب، ورشها بالماء البارد، فلا یولد کلب متوحشًا، بل یکتسب غریزة التوحش من المدربین، وهم یعرفون أن لا حل للکلب المتوحش إلا قتله، لکنهم یعتبرونه من أفضل کلابهم، وبدلًا من قتله یفکون رباطه ویطلقونه بین الکرافانات؛ لبث الذعر بین المعتقلین، وخصوصًا فی أوقات الصلاة، وهم یعرفون ماذا تعنیه نجاسة الکلب عند العرب والمسلمین"([33]).
استعرض السارد فی النص السابق أسالیب التعذیب الوحشیة، الممارسة من قبل المحتل الأمریکی، ومن معه تجاه العراقیین، تلک الوحشیة التی لم تقتصر ممارستها على (الأمریکی) – فقط – بل تجاوز مداها لیدخل العنصر (الحیوانی)-أیضًا- فی تلک الممارسات المهینة، فهى مُعدة، ومُدربة تدریبًا جیدًا حول طرق تعذیب(الآخرین)، ولا سبیل للعراقی (المعتقل) سوى الانصیاع لتلک الأوامر الأمریکیة.
وقد یُمارس (العنف) من قبل المحتل الأمریکی تجاه العراقی دون ما یبرر ممارسته، فهو عنف للعنف، یمارسه الأمریکی بــ (میکانیکیة)، وآلیة، مثلما حدث مع المرأة (المتوفاة) فی روایة (أموات بغداد) لصاحبها (جمال حسین علی) ([34]) ، یقول السارد:
" ولم یکن تخلی المفتشون عن الأحزمة الناسفة فی بطون الأطفال الجیاع والنحیلین للغایة والمتصببین بردًا، مهارة استدلال، ولا شفقة حلت متأخرة، بقدر تعلقهم فی لغز الکتلة البشریة السوداء التی رفضت الانصیاع لمکبر الصوت وبقیت جالسة فی السیارة بتمعنها الشدید النظرة وعدم میل رأسها لغایة تفجیره بسلسلة رصاصات، وإنها فی جلستها تلک تخلت عن مقاومتها للموت، وإن کان لابد من منحها بعض الوقت لتخاف، ولکی تتفهم اللحظات التی تسبق الموتى وما علیها تجنبه من وخزاته الأولى، وسدة الثغرات المتاحة للنجاة بالزفیر الأخیر، الآن، زالت خشیتهم من الأجساد المطروحة على الأرض ورکزوا أنوارهم الکاشفة على السیارة المجعدة بالثقوب والکتلة السوداء فیها التی بدأت تصغر وتنکمش على نفسها دون أن تقودهم إلى قطرة دم واحدة، إذ لم ینبعث شعور بالثقة من میت کما کان یبدو على ما تبقى من ملامح الجدة التی ماتت مرتین فی معرکتین فی یوم واحد"([35]).
قدمت الفقرة السابقة أحد أنواع العنف الأمریکی غیر المبرر، والذی لا یحمل فی طیاته سوى (الخوف) مما هو عراقی، قد یقابل سلوکیاتهم الجنونیة، العبثیة بنوع من (المقاومة)،وهو ما جعلهم یقدمون على قتل (العجوز) مرتین، مرة حینما ألقت القوات الأمریکیة قذائفها على دار المرأة، والثانیة حین توهمت القوات الأمریکیة عدم انصیاع المرأة لأوامرها وقتما أمرها الجندی الأمریکی بالنزول من السیارة، ولم تستجب المرأة لذلک الأمر، وآثرت البقاء فی صمتها الأبدی، ویمنح سارد الفقرة السابقة (المرأة العجوز) ملامح التحدی، والثبات، فیأبى السارد أن یحصل الأمریکی على مراده فی إذلال شخصیة عراقیة، حتى وإن کانت تلک الشخصیة (متوفاة)، ویبدو هذا جلیًا فی وصفه للعجوز بــ (رفضت الانصیاع لمکبر الصوت)، (عدم میل رأسها)، (دون أن تقودهم لقطرة دم واحدة)، (لم ینبعث شعور بالثقة من میت کما کان یبدو على ما تبقى من ملامح الجدة)، وفی کل هذا إشارة واضحة لصمود العراقی، واعتداده بنفسه الذی لازمه حیًا، ومیتًا.
3- قضیة الصراع الحضاری:
تعد قضیة الصراع الحضاری إحدى أهم القضایا التی نالت حظًا وافرًا من الکتابات الأدبیة، الإبداعیة؛ فمع اتساع الرقعة المکانیة التی عُمِّرَتْ بالإنسان، وتشعب علاقاته بالمحیطین حوله نشأت الصراعات الإنسانیة، وتعددت أنواعها، والحضاری، منها على وجه الخصوص استوقف عنده الروائیون؛ لینسجوا منه إبداعًا ارتبط بالواقع ومشکلاته، ولاقى ذلک الإبداع قبولًا واسعًا لدى المتلقین؛ وذلک لانفتاح الروایات التی تتناول قضیة الصراع الحضاری على البیئة الغربیة، ووصفها وصفًا استطاع أن یحمل المتلقی نحو عوالم أخرى بعیدة عنه، عابرًا محیطاتها، وأنهارها، وصحاریها بجناح الخیال.
وقد حدد ابن منظور الجذر اللغوی للصراع فی معجم لسان العرب قائلًا:
" الصرع: الطرح بالأرض، وخصه فی التهذیب بالإنسان صارعهُ صرعًا وصِرعًا، فهو مصروع وصریع، والجمع: صرعى، والمصارعة والصراع معالجتهما أیهما یصرع صاحبه، والصرع علة معروفة، والصریع: المجنون، ومصارع القوم حیث قُتلوا، وفی الحدیث: الصُرعة (بضم الصاد وفتح الراء مثل الهمزة، الرجل الحلیم عند الغضب، وهو المبالغ فی الصراع الذی لا یُغلب"([36]) .
أتاحت ظروف العراق الفرصة للعراقی، أن یتعرف على حضارات، وبلدان لم یسمع عنها من قبل ولم یقرأ؛ ففراره من جحیم الحصار الدولی، وعیون النظام السابق التی ترصدت کل من یخالفها الرأی جعلاه یلجأ لخیار الأوطان البدیلة، والسعی نحو التجنس بجنسیاتها، فکانت الفرصة مواتیة له لرصد اللقاء الحضاری فی إبداعه الأدبی، وتضمین ذلک الرصد لوجهة نظر العراقی- إیجابیة کانت أم سلبیة- کل حسب تجربته التی عایشها، وقد اتصف اللقاء الحضاری بین الذات المبدعة (العراقیة)الشرقیة، والذات الأخرى الغربیة فی الروایة العراقیة لتلک الفترة الزمنیة(1990-2011م) بصفة (الصراع)، صراع الفکر، والمبدأ، والتوجه، والهویة، والمذهب؛ وقد یعود السبب فی ذلک للحالةِ النفسیة التی صاحبت العراقی المهاجر لأوطان بدیلة، ومحاولةِ مد جذوره فی أرض لیست أرضه، کذلک الفرار والهجرة لبلاد غریبة عنه اسمًا وأرضًا، ولقائِه –آنذاک- بشخصیات أثرت سلبًا على نظرته للحضارة الغربیة، وأصحابها، ولیس معنى ذلک حکر قضیة (الصراع الحضاری) على روائیّ المهجر فقط؛ فقد أبدع روائیو العراق داخل عراقهم، وعبروا أیّما تعبیر عن الصراع الحضاری بصورة عمیقة، حیة؛ نتیجة اللقاء المباشر لهم مع أصحاب الحضارات الأخرى، التی هبطت علیهم فی العام 2003م بغزو الغرب لهم.
ومن روائیّ تلک الفترة الزمنیة (1990-2011م) الذین تناولوا قضیة (الصراع الحضاری) فی روایاتهم: الروائی (زهیر الهیتی([37])) فی روایته (الغبار الأمریکی)، والذی اتخذ من موضوع (الصراع الحضاری) محورًا لها، من خلال شخصیة (فاطمة) بطلة الروایة، التی جمعتها الصدفة بعدة شخصیات أجنبیة کانت الحرب على العراق السبب الأول لوجودهم به.
تنفتح روایة (الغبار الأمریکی) على استعداد (فاطمة) للخروج، وتزینها من أجل لقاء العمل المنتظر فی المنطقة الخضراء التی سکنها الغازون الجدد، وقد شغل هذا اللقاء حیزًا کبیرًا من اهتمام الفتاة " فالیوم لدى موعد مهم لعله الأهم فی حیاتی حتى الآن، وربما سیغیر مسارها إلى الأبد، لقد تلقیت قبل یومین اتصالًا هاتفیًا من سکرتیرة تعمل لدى منظمة الإغاثة الدولیة التابعة للأمم المتحدة، تخبرنی فیه أنهم قد وافقوا على طلب التعیین الذی تقدمت به إلیهم، کدت أطیر من الفرح"([38])، استطاع هذا اللقاء أن یغیر ملامح الحاضر لـ (فاطمة)، ومستقبلها؛ وذلک بعد خروجها من مقابلة العمل، وتعرضها لمحاولة (خطف) من قبل مجهولین، باءت بالفشل، بعدما استطاع أحد الأجانب حمایتها من الأذى المحقق الذى کادت تتعرض له، (جوزیبة) إیطالی الجنسیة کان أول تلک الشخصیات الأجنبیة التی تعرفت علیها (فاطمة)، أنقذها من محاولة الخطف، وقبض الثمن من جسدها، وشرفها، مستسلمة له، واصفة إیاه بـالقدر " أشیاء کثیرة حدثت لی وإن کنت غیر قادرة على تحدیدها وتسمیتها؛ شیء واحد أنا متأکدة منه، إنه قدری، وقبله کنت بلا قدر، لا یهم الآن هل کان هذا القدر سلبیًا أم ایجابیًا، لکنه قدری أنا، وأنا فرحة به!! قبله کنت شیئًا ما کائنًا، أما الآن فأنا أنثى ولدت على فراش الأمس!!"([39]).
استطاعت شخصیة (جوزیبة)- إیطالی الجنسیة- تحویل مسار شخصیة (فاطمة)؛ بعدما انتزعها من أیدی خاطفیها، واستباحته لها، عاشت (فاطمة) مع (جوزیبة) فی منزل سطا علیة الثانی، بعدما ترکه أصحابه فارین من العراق بعد الغزو الأمریکی له، ویمکن وصف العلاقة التی حدثت بین الشخصیتین العربیة والغربیة بــ (اللقاء الاستعماری)، استعمر من خلاله (جوزیبة) جسد (فاطمة)، آخذًا حصته منها مقابل حمایته لها، فبدا اللقاء فی أوله عاطفیًا، لکنه حمل فی طیاته رغبة الإیطالی (الغربی) فی فرض هیمنته على الجسد الشرقی متمثلًا فی شخصیة (فاطمة)، وکان له ما أراد.
تتوالى الأحداث وتقرر (فاطمة) عدم العودة ثانیةً لمنزلها، حیث أمها التی تجلس وحیدةً منتظرة إیاها، وخلال تلک الفترة یحضر إلى المنزل شخصیة (غربیة) أخرى، تحمل داخلها روافد، وجذور حضارة أخرى، (لوران) فرنسی الجنسیة، الذی أخذ نصیبه – هو الآخر- من جسد (فاطمة)، بعلم صدیقه (جوزیبة)، وبمبارکته إیاه، ودون أدنى مقاومة (فعلیة) منها " لقد تخلیت بکل جبن عن جسدی وترکته بلا حیلة لحیوان لا یمل "([40]).
یُمتهمن جسد الفتاة (العربی) من قبل (الإیطالی) و(الفرنسی) فی مبارزة قویة، تنتهی دائمًا جولاتها بفوز (الغربی) بالجسد (العربی)، إلى أن تظهر الشخصیة الثالثة (جاک لوی) برازیلی الجنسیة " فکرت فی أول لیلة قضاها معنا بأنه سیطالب بحصته من جسدی المستباح للمرتزقة الذین یحملون أسماء وهمیة، وقررت الامتناع عن ذلک مهما کلفنی الأمر، لکنه لم یفعل لحسن الحظ "([41])، لم یفکر (جاک لوی) فیما فکر فیه سابقوه من السطو، والاستیلاء على جسد (فاطمة)، حتى إنه کان یتحاشى حدیثه معها" وإن فعل کانت لا تخلو من الوقاحة والعنصریة"([42])، وتؤکد الساردة على عنصریة (جاک لوی) ثانیة من خلال وصفه لذاته قائلًا:
" أنا اختصاص الدول العربیة، استمتع بالعمل فیه "([43])، تدرک (فاطمة) جیدًا نظرة (جاک لوی) الحقیرة لها، وتعود تلک النظرة لذلک الصراع الحضاری المتوغل فی الذات الغربیة للأخرى (الشرقیة) منذ القدم، وجملته ـ تلک- السابقة منحتها مبررًا للانتقام من ذلک المستعلی، تقول (فاطمة):
"کانت هذه الإجابة المصحوبة بابتسامة احتقار هى الشرارة التی فجّرت فی نفسی رغبة الانتقام منه، کأنی أنتظر هذه الإشارة من إله ما، شعرت أن فعل الانتقام منه هو البطاقة التی ستؤهلنی للدخول النهائی إلى عالمهم، وإن لم أفعل سأبقى واقفة إلى الأبد بین عالمین، کلاهما یرفضنی !! لکن ما یهمنی الآن أن أجد مبررًا لکل هذه الکراهیة التی تجتاحنی، هل أنا غاضبة من عنصریته؟ هل أنا متعصبة لقومیتی التی لم أشعر بها یومًا؟ لماذا أکرهه وأتمنى موته؟ کان یکفی ربما أن أنصرف عندما یبدأ بسرد أقاصیصه العنصریة، ورغبته السادیة التی یفخر هو بالتمتع بها، عن ذکریاته فی الدول العربیة مثل الیمن، وعمان، والکویت، والصومال، ولبنان، لکن أبقى مصغیة إلیه، وأنا أشعر بمازوخیة لا تطاق، وکأنی أنمی حقدی علیه، وأنا لا أدری إلى أین تقودنی هذه الهیستریا العنصریة "([44]).
تحمل الفقرة السابقة معانی الانتقام، والکراهیة، والحقد من شخصیة (فاطمة) العربیة، تجاه (جاک لوی) الغربی، وقد وضعت (فاطمة) یدها على ما یبرر فعلها الانتقامی الذی سوف تُقدم علیه فیما بعد، فحاجز الاختلاف الحضاری القائم بین الذاتین العربیة والغربیة هو ما جعلهما متنافرین، حاقدین؛ لم یتقبل الغربی بحضارته، وفکره تلک (العربیة) بحضارتها، وفکرها، فرفضه لها هو فی الأساس رفض لحضارتها، ومنبتها، لذا تقدم (فاطمة) على قتله، والتخلص منه، ومن حضارته، وعنصریته التی یحملها فی دمه، لکن محاولتها تبوء بالفشل، ویظل (جاک لوی) متعقبًا لــ (فاطمة) حتى آخر الروایة.
وفى روایة (کم بدت السماء قریبة) للروائیة (بتول الخضیرى), تتعرض الروائیة لقضیة(الصراع الحضاری) بین الطبیب العراقی، وزوجه البریطانیة، حیث إغراء العراقی للأجنبیة بسحر الشرق وحضاراته, فتوافق على الارتباط به, بعد أن رأت الشرق بعینیه لا بعینیها, فتقول واصفة مشاعرها:
" ظننت المزارع هنا کما وصفها لى سحرًا شرقیًا ینحصر بین شروق وغروب حالمین من دخان بنفسجی أثیری لا یمکن تجاوز إغرائه، فإذا بها حر خانق یتسلق النخیل, ذباب فی الصباح, بعوض فی المساء, وصفیر صراصیر مجنحة تتقافز فی غرفتی عند الفجر" ([45]) .
تحاول الزوجة جاهدة الانخراط فی مجتمعها الجدید – مع تحفظها فى التعامل مع الجمیع – لکنها تفشل, ویسیطر علیها الشعور بعدم الانتماء , وحین یتمکن منها ذلک الشعور تبدأ باتخاذ کافة الوسائل (الانفصالیة) - عن تلک الحضارة الجدیدة، الوافدة علیها- فتبذل کل طاقتها فی الدفاع عن جنسها, وموطنها, وأصلها، فتبدأ أولًا فرض اللغة الانجلیزیة لغة رسمیة للتحدث فی المنزل مع ابنتها، وتنهر الفتاة إن فعلت غیر هذا، وتحاول ثانیة إبعاد ابنتها(نتاج اللقائین العربی بالغربی) عن صدیقتها الریفیة الفقیرة، وتعترف (الأم) الأجنبیة فی نهایة الروایة بوجود علاقة ـ سابقة- جمعتها بصدیق إنجلیزی خلال زواجها من زوجها العربی.
أما الطرف الآخر للعلاقة فبدأ هو(الآخر) بعمل أفعال (مضادة) یقابل بها أفعال زوجته الأجنبیة، فانفصل عنها جسدیًا، وأخذ یحث ابنته على الانخراط فی عالم الفلاحین والفقراء، غیر عابیء بتعلیمات الأم للفتاة، وتحاول (الابنة) مسایرة الطرفین، وتحیا بروحین فی جسد واحد؛ تذهب فی الصباح لمدرسة الموسیقى والرقص التی اختارتها لها أمها، وتعمل لیلًا مع أبیها فی صناعة العطور المستخلصة من الزهور العطریة، تدخل فی علاقة غیر شرعیة مع صدیقها الفرنسی (آرنو)، وحین تتفاجئ بحملها منه تقرر التخلص من الجنین " أردد کل لیلة سأصلح الخطأ قبل فوات الأوان لن استسلم کما فعلت هى، لابد أن أصلح الحال، ساعة أنتظر اتصاله حتى الانفجار باکیة، وساعة أنتظر موعد العیادة لئلا یقنعنی بالعدول عن القرار"([46]).
وسرعان ما تتحول تلک العلاقة الاتصالیة بین الحضارتین العربیة والغربیة إلى انفصالیة (صراعیة)، تنفصل معها مشاعر الابنة- کذلک- فترى ما لم تره من قبل فی صدیقها (الفرنسی)، والذی وصفته فی آخر مشهد یجمع بینهما فی الروایة بــــ" ترکت خلفی فی المقهى سحلیة أخذت تتقمص دور خنزیر"([47]).
تخلصت (الابنة) من جنینها الذی حملت به من صدیقها(الغربی)،ولم تنتظر مجیئه للدنیا، فنراها تسعى منذ البدایة فی إرضاء نزواتها، والدخول فی علاقة محرمة مع ذلک (الفرنسی)، وحین تطورت العلاقة، وشعرت الفتاة بوجود ما یربطها بذلک (الغربی) فی أحشائها تقرر التخلص من ذلک (الرباط)؛ الذی لم تُکِنّ لصاحبه منذ البدایة أیة مشاعر تجبرها على الاحتفاظ بجنینها منه، والعیش معه، ومع هذین النموذجین تؤکد الکاتبة (بتول الخضیری)على استحالة اللقاء بین الشرق والغرب، واستمراریته حتى النهایة، وإن حدث فمصیر ذلک اللقاء هو (الفشل)، فلا تکفی المشاعر وحدها فی توحید أبناء الشعوب مختلفة الأصل، والعرق، والمنشأ.
[1])) د.عبد الإله أحمد: الأدب القصصی فی العراق منذ الحرب العالمیة الثانیة (اتجاهاته الفکریة وقیمه الفنیة- الجزء الأول)، منشورات اتحاد الکتاب العرب، دمشق، 2001، صـ17
[2])) د. حمدى السکوت: الروایة العربیة(ببلیوجرافیا ومدخل نقدی(1865-1995)،المجلد الأول، مقدمات ومدخل نقدی، قسم النشر بالجامعة الأمریکیة بالقاهرة- نیویورک، صـ161.
[3])) ثورة یولیو 1958م، وهى التی أطاحت بالمملکة العراقیة الهاشمیة التی أسسها الملک فیصل الأول، وعلى إثر تلک الثورة تمت الإطاحة بالملک (فیصل الثانی)، وعائلته، وولی العهد عبد الإله، ورئیس الوزراء نوری السعید، واغتیالهم، وبناءً علیه تأسست الجمهوریة العراقیة، وحکم العراق الحزب البعثی من 1958م حتى عام 2003م، وانتهى الحکم بدخول القوات الأمریکیة غازیة للعراق.
للاستزادة ینظر کتاب: تاریخ الوزارات العراقیة فی العهد الملکی، تألیف: عبد الرازق الحسینی، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، الطبعة الأولى، 1990م.
[4])) صدام حسین: هو صدام حسین عبد المجید التکریتی، ینتمی إلى عشیرة (البیجات)، ولد فی 28 إبریل 1937م، وأَعدم شنقًا فی 9 إبریل 2003م، قبل تولیه رئاسة العراق تولى منصب نائب رئیس جمهوریة العراق، ورئیس مکتب الأمن القومی العراقی بحزب البعث العربی الاشتراکی فی الفترة بین 1975م، وحتى 1979م، حیث لعب دورًا رئیسًا فی انقلاب حزب البعث (17 یولیو 1968م)، والذی من خلاله تم تعیینه کنائب للرئیس البعثی (أحمد حسن البکر)، کما دخل فی حرب مع إیران استمرت نحو ثمانی سنوات من 22 سبتمبر 1980م، وحتى 8 أغسطس 1988م، وفی عام 1990م تحدیدًا الثامن من أغسطس قام بغزو الکویت، مما أدى لنشوب حرب الخلیج الثانیة فی العام 1991م، وبعد ذلک دخل العراق سنواته العجاف بقرار الأمم المتحدة بحصاره دولیًا، لینتهی ذلک الحصار فی عام 2003م بدخول القوات الأمریکیة (بغداد) واحتلالها، وتقدیم (صدام حسین) للمحاکمة على ما انتهکه من جرائم فی حق شعبه، وجیرانه، لیطوى سجل هذه الشخصیة فی 30 دیسمبر 2006م؛ إثر تنفیذ حکم الإعدام بحقه.
.
[5])) د. سید حامد النساج: الأدب العربی المعاصر فی المغرب الأقصى، دار سعاد الصباح، القاهرة، الطبعة الثانیة، 1992م، صـ555.
[6])) بتول الخضیری: ولدت فی بغداد عام 1965، وحصلت على بکالوریوس الأدب الفرنسی من الجامعة المستنصریة، تعیش حالیًا فی عمّان، روایاتها: کم بدت السماء قریبة 1999م، وغایب 2004م
[8])) المصدر السابق: صـ12.
[9])) المصدر السابق: صـ66.
[10])) المصدر السابق:صـ127.
[12])) غایب: صـ76.
[13])) المصدر السابق : صـ35.
[14])) المصدر السابق : صـ44.
[16])) عواد علی: ناقد وروائی عراقی، یحمل الجنسیة الکندیة، حاصل على شهادة الماجستیر فی المسرح من جامعة بغداد 1990م، ویقیم فی عمّان، صدرت له روایة حلیب المارینز فی عمّان 2008م، وله عدة دراسات نقدیة فی المسرح، منها: المألوف واللا مألوف فی المسرح العراقی، شفرات الجسد جدلیة الحضور والغیاب فی المسرح، ودراسة نقدیة فی الروایة بعنوان: دراسات فی الروایة العربیة (بالاشتراک مع آخرین).
[18])) عالیة طالب عقیل الجبوری : موالید بغداد، بکالوریوس إنکلیزی - جامعة بغداد- ، لها العدید من الإصدارات الأدبیة المتنوعة، ومنها: الممرات ( مجموعة قصصیة ) دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد1989،م، أم هنا - أم هناک ( روایة ) دار الحریة للطباعة ، بغداد، 2001م، الوجوه ( روایة ) دار الشؤون الثقافیة العامة ، بغداد 2002م، بحر اللؤلؤ ( مجموعة قصصیة) ، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 2006م، امرأة فی العراء(مجموعة قصصیة ) دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 2004م، قیامة بغداد (روایة)، دار شمس للنشر والإعلام، القاهرة ، 2008، یومیات من المنفى ( روایة ) دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد ،2010م.
([19]) عالیة طالب الجبوری : قیامة بغداد، دار شمس للنشر والإعلام، القاهرة، الطبعة الأولى، 2008م، صـ20، ص21.
[20])) قیامة بغداد : صـ123، صـ124 .
[21])) المصدر السابق: صـ 84، صـ85.
[22])) غایب : صـ 40.
[24])) عبد جاسم الساعدی : العنف السیاسی فی السرد القصصی العراقی، دار فضاءات، عمّان، الطبعة الأولى، 2013م، صـ57.
[25])) طه حامد الشبیب:مقامة الکیروسین، دار فضاءات للنشر والتوزیع، عمّان، الطبعة الأولى، 2008، صـ 145، صـ146
[26])) کانت قریة( الدجیل) مسرحًا لقضیة (الدجیل) عام 1982م, والتی حوکم (صدام حسین) وأعدم على إثرها عام 2006م, وتعد أحد مراکز القوة بحزب الدعوة الإسلامیة الذى کان یعد حزبًا محظورًا فی الثمانینیات، أثناء وقوع عملیة الاغتیال الفاشلة فی 8 یولیو 1982م , وتعود تلک الأحداث حینما قام الرئیس السابق (صدام حسین) – فی خضم حرب الخلیج الأولى- بزیارة البلدة, وأثناء مرور موکبه تعرض لإطلاقات ناریة, قام بها بعض أعضاء حزب الدعوة الإسلامیة, وتم تبادل إطلاق النیران بین أعضاء الحزب وحمایة الرئیس السابق ، وبعد محاولة الاغتیال الفاشلة، وحسب إفادة الشهود والمشتکین، قامت قوات عسکریة بأمر مباشر من الرئیس السابق (صدام حسین) بعملیات قتل, ودهم, واعتقال, قتل وأعدم خلالها 1,500 من سکان البلدة الذین تم نقلهم لسجن العاصمة (بغداد)، ومنه إلى معتقل (لیا) فی صحراء محافظة (المثنى), وتعرضوا خلال تلک الفترة -حسب شهاداتهم– لأقسى أنواع التعذیب الجسدی والنفسی, وبعد ذلک تم إصدار قرار بتدمیر وتجریف ما یقارب من 1000 کم من الأراضی الزراعیة والبساتین المثمرة.
[28])) قیس هادی أحمد: الإنسان المعاصر عند هربرت مارکیوز، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، الطبعة الأولى، 1989م، صـ 145.
[29])) مقامة الکیروسین : ص81، ص89.
[30]) ) محمد السید إسماعیل: الروایة والسلطة (بحث فی طبیعة العلاقة الجمالیة)، القاهرة، الطبعة الأولى، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1998،ص 109.
[31]) ) شاکر نوری: مجانین بوکا، شرکة المطبوعات للتوزیع والنشر، بیروت، الطبعة الأولى، 2011، صـ15
[32]) ) شاکر نوری: کاتب وإعلامی عراقی مغترب، عمل فی التدریس والصحافة، حاصل على شهادة البکالریوس والماجستیر فی اللغة الإنجلیزیة وآدابها من جامعة بغداد عام 1972م، وشهادة الماجستیر فی الإعلام من باریس 1979م، والدکتوراه فی السینما والمسرح من جامعة السربون ببارس عام 1972م.
[33]) ) مجانین بوکا: صـ308، صـ309 .
([34]) جمال حسین علی : کاتب، وصحفی عراقی، ومراسل حربی، ولد بمدینة البصرة بالعراق، حاصل على الدکتوراه فی الفیزیاء من جامعة موسکو عام 1993م، له أربع روایات، وهى: صیف فی الجنوب 1983م، روایة الفنارات، وروایة التؤام فی الثمانینیات ـ أیضًاـ، وروایة أموات بغداد عام 2008م، وله ثلاث مجموعات قصصیة، وهى: ظل متبخر، و الضریح الحی، والتویجات.(لم أتمکن من العثور على زمنیة النشر).
[36]) ) ابن منظور: لسان العرب، المجلد الثالث، مکتبة دار الجیل، بیروت، 1988، صـ 430.
[37]) ) زهیر الهیتی : کاتب وصحفی عراقی، مقیم فی ألمانیا، له إصدارات روائیة، إبداعیة، وهى: یومی البعید، والغبار الأمریکی، وله دراسة بعنوان "صورة العراقی فی الروایة العربیة".
[38]) ) زهیر الهیتی: الغبار الأمریکی، دار الساقی، بیروت، الطبعة الأولى، 2009م، صـ10.
[39]) ) الغبار الأمریکی : صـ80
[40])) المصدر السابق : ص101.
[41]) ) الغبار الأمریکی : صـ124.
[42]) ) المصدر السابق : صـ127.
[43]) ) المصدر السابق: صـ131.
[44]) ) المصدر السابق: صـ131.