البحث التطبيقي يعرض لشاعر من الشعراء المصريين المعاصرين ، اختار أحداث ثورة يناير 2011 لينسج منها فنا رفيعا يعبر فيه عن أفکاره ، ويسکب فيه فيض مشاعره الحزينة على ماکان ، وماسيکون . وهو في سبيله إلى ذلک يتکئ على المصادر التي تلهمه شعرا ومنها التاريخ في عصوره المختلفة بدءا بالقديم ، وانتهاء بالمعاصر الموغل في المعاصرة . ويتمثل ذلک في المهود التاريخية القديمة مثل " تِنِّيس " و " إرم " ، وفي الأحداث الشهيرة کالطوفان ، وفي الشخصيات المؤثرة مثل " شداد بن عويج " ، و" علي بک الکبير " ، و" محمد أبو الدهب " وغيرها . ولم يفته استلهام شخصيات الغزاة مثل " لويس التاسع " ، و" أنتوني مورهاوس ". فنراه يسقط کل ذلک الاستلهام على الواقع المعيش ليعرض الواقع على التاريخ . وفي سياق إلمامه بالتاريخ مهودا تاريخية ، وشخصيات ، وأحداثا ، لم ينس أن يستدعي الشعر العربي القديم ، بل والشعر الحديث لکي يکون شاهدا على إبداعه وکأنه يعقد لونا من المفارقة الضرورية بين ماکان وماهو کائن . ويلجأ الشاعر إلى الأساطير مصدرا لبردياته التسع ، فنرى أسطورة " أوديب " اليونانية بشخصياتها المعروفة قناعا لأهل الحکم في مصر التي وردت في بردياته کثيرا باسمها حينا وباسم العاصمة " طيبة " حينا آخر ، وبصفة أهلها " المصريين " . کما يستخدم الأسطورة البابلية " التموزيّة " أسطورة البعث والحياة لتلتقي بمضامينه حول ثنائية الموت والحياة في " مصر المحروسة " کما شاء له أن يسميها . ومن الأساطير السابقة إلى أسطورة " لقمان ولُبَد " حيث الرمز المُحَمّل بمخزون قيمي من الصبر والتحمل ، والقدرة على الاعتقاد ، والرغبة غير المنقضية في تحقيق الهدف . ويأتي تعامل الشاعر مع الأسطورة في تناول شخصياتها ، أو توظيف مغزاها متداخلا مع تجربته تداخلا جليا ، فلاتطفو الأسطورة فوق سطح التجربة ، ولاتکون غايتها تشبيها تقريبيا ، أو حلية لفظية . ويأتي أسلوب البرديات وقد نحا منحى أسطوريا ؛ إذ تتجه ذات الشاعر- في صراعها الحاد بين آلام الحاضر ، وذکريات الماضي - إلى الطبيعة ؛ فتنعقد بينهما صلة عميقة لاتشبه تلک الصلة التي قامت بين الشاعر الرومانسي والطبيعة . وتتشح البرديات بوشاح المعجم الرومانسي الحافل بالألوان ، والأصوات ،والعطور بما يشي بعودة غنية إلى ينابيع الشعر الأولى ، ويکرس لنهج إيجابي في التعامل مع الطبيعة لاينسحب الشاعر فيه إلى کهف الذات ، ولايتخذ من الحب مهربا لذاته المنسحقة ، بل يعبر بالحس الرومانسي معجما ، وشعورا، وصورا ، تعبيرا واعيا عن ذاته . وفي نظرة البحث إلى البرديات اکتشف أن مهنة الشاعر ، وهي " النقد الأدبي " ألقت بظلالها على بعض شعره ؛ فالناقد يشق ثوب الشاعر – أحيانا – ليلوح مفسرا ، وشارحا ، فيحدث ذلک التداخل اللطيف بين عمل الناقد وعمل الشاعر . وقد برز ذلک غير مرة في البرديات ، وأظهره البحث تحت مبحث " تنازع الشاعر والناقد ". وتبدو البرديات نسيجا واحدا في اعتمادها نهجا سرديا له بنى معروفة . يتمثل ذلک في التمهيد للقص ، وفي استخدام مفردات " الحکي " مثل : أَرْوِي ، وأنظر ، وأحکي ، کما يتمثل في اعتماد زمان للقص ومکان معروف ، وفي مراعاة تطور الحدث بدءا ، ووسطا ، وختاما ، وفي استخدام عنصر " الحوار " القصصي المعروف . وهکذا فقد أبدع الشاعر هذه البرديات التسع " شهادة أبو الهول على وقائع شط النيل " مستحضرا التاريخ القديم والوسيط والمعاصر مصدرا لإبداعه ، ومستلهما الأساطير العربية والغربية تکأة تعبيرية لرؤيته الخاصة ، ومنتهجا نهجا أسطوريا وقصصيا فيها ، مستخدما تقنيات السرد الحديث في نسيجه الشعري وموظفا إياه مؤکدا على تداخل الأنواع الأدبية حين يقتضي المقام ذلک .